Friday 8 June 2012

سينيمانا

لسنين وسنين عانت السينما والمسرح المصريان من وجوه مخيفة ومخرجين مبيخافوش ربنا وممثلين وممثلات ميتين على نفسيهم. 
الشيئ الذي جعلنا لا نجد نشوة مشاهدة الأفلام والمسرحيات إلا في أعمال قليلة جدا ونادرة جدا جدا نظرا لكون هذه الأعمال التي أتحدث عنها غالبا ما تكون من زمن الأبيض والأسود وزمن الكاميرات المبكسلة القديم، حتى قناة روتانا زمان التي تحوي مكتبة في قمة الروعة وتمتلك مجموعة من الأفلام والمسرحيات التي تفخر بها السينما المصرية تبخل علينا هذه القناة دائما بإخراج ما في مكتبتها من روائع ولا يعرضونها إلا في المواسم، أما الأفلام والمسرحيات الملحمية والتاريخية والدرامية مثل فيلم إحنا بتوع الأتوبيس وفيلم الشيماء ومسرحية كارمن ومسرحية سكة السلامة وفيلم الناصر صلاح الدين وفيلم وراء الشمس الرائع وغيرها الكثير من الأفلام والمسرحيات التي تكفيك رؤية مشهد واحد منها لتقع في غرامها ولتنخرط في دوامة الإبداع التي أبدعها مخرجون كبار وصَوَّرَهَا ممثلون متفانون... الدعوة لكي نهتم أكثر بالسينما والأفلام ليست دعوى فجور وفسوق وتفاهة وليست شيئا مهمشا لا يجدر بنا الالتفات له في هذه الفترة من عمر مصر بل هي شيئ مهم ورئيسٌ جدا كون السينما والمسرح سابقا استطاعا أن يجعلونا نحب أشخاصا كعبد المنعم مدبولي ومحمد صبحي وفؤاد المهندس وحتى عادل إمام ونفس السينما والمسرح هما ما جعلانا نكره عادل إمام وسمية الخشاب وغادة عبد الرازق، ليست دعوى فساد بل هي دعوة نشر للتهذيب والإصلاح وحب الوطن هي دعوة للضحك دعوة للعمل دعوة للإيمان لكي تفهم جزءً مما أقوله انظر لمشهد عبد المنعم مدبولي وهو يزحف على أربعٍ ومربوط من رقبته والضابط يقول له: الكلب بقا لم يحب يقول حاجة لصاحبه يعمل إيه؟ انظر لوجهه وتأمله وهو يقول: هَوْ!! ستجد كل شعرة في جسمك تقف وسيتملكك شعور قوي بأن تخنق هذا الضابط وتسلم على رأس الراجل العجوز (مدبولي) وتقول له: آسفين إننا سبناه يهينك يا أبويا! انظر لوجه عادل إمام وهو يسمع كلمات أحد السجناء وهو يقول: ليا مين غيرك يا بلدي!! ستجد عيناه الحزينة تمثل شعوره المخزي بالضعف وسترى شفتاه المطبقتان تمثلان الشعور الحقيقي بالغضب المبكوت، الغضب الذي لا يستطيع أن يؤثر. هذان المشهدان من نفس الفيلم (إحنا بتوع الأوتوبيس) ليسا هما المشهدان الوحيدان الذان فاقا الوصف في الفيلم وفي السينما المصرية عامة أفلام أخرى كثيرة ومسرحيات أكثر كانت على نفس الوتيرة من قوة وقدرة على التأثير في المشاهد والتحليق به بعيدا ليس فقط من روعة النص وجمال الهدف والمغزى بل أيضا من إبداع الإخراج وتفاني الممثلين رغم امتلاكهم لإمكانات قليلة إلا أنهم تمكنوا من تصوير مشاهد في غاية الروعة وفي قمةِ قمةِ الإبداع، مشاهد خلدت فتح بيت المقدس ومشاهد أخرى أرتنا (لا) التي لم يجرؤ أحدٌ أن يقولها سابقا مشاهد منحتنا مساحة نضحك فيها على غباء الظالمين ونبكي فيها على حال المظلومين، مشاهد أخرجتها السينما المصرية التي تولى أمرها أخيرا أشخاص لا يقدرون حجم المهمة التي أوكلت إليهم.

من مصر!! نعم والله من مصر التي أخرجت الليمبي وكباريه وحاحا وتفاحة وبوبوس خرج فيلم إحنا بتوع الأوتوبيس وخرجت كارمين وخرجت سكة السلامة والناصر صلاح الدين -مع التحفظات عليه- والشيماء وعنتر ابن شداد لكي نمتلك نحن معشر محبي السينما والمسرح سببا يجيز لنا أن نقول: إن السينما قد تنقل أكثر من مجرد ضحكات وشهوات ونزوات ورقصات، السينما قد تنقلك لعالم تبكي فيه مع المظلوم تنفعل فيه مع الثائر تختلط مشاعرك فيه مع العاشق. 

لهذا السبب ندعوا لأن نهتم بالسينما والمسرح لأنها كانت وستبقى وسائل تصفع الظالم على وجهه وتعلي شأن المظلوم، ستبقى وسائل للتنفيس عن المحب ولإضحاك المكتئب، فمتى يا ترى يعود الزمن الذي نرا فيه عباقرة كفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي ومحمد صبحي وعادل إمام (صغيرا) ونور الشريف (صغيرا) يعودون بسينما نظيفة تهذب النفس؟

No comments:

Post a Comment