Friday 25 January 2013

الوطن

الكلبُ حيوانٌ وفيٌّ لا يتعلقُ بالمكان بل بالإنسان، أكرِم كلبا في يوم ولن ينسى كرمك. القطط من جانب آخر هي مضرب المثل المصري الشهير "زي القطط ياكل وينكر" وهي في الواقع رغم كونها حيواناتٍ لطيفة أليفة ظريفة إلا أنها لا تتعلق بشيء غير المكان، قطتكم ما زالت أليفة لأنكم تطعمونها وتسقونها وتأوونها، توقفوا عن ذلك يوما وأعيدوا البحث عن قطتكم ولن تجدوها.
وطن الكلب إذا إنسان، وطن القطة مكان، ما وطن بني آدم إذًا؟!

أغلب ظني أنه "إنكان" أقصد بالكلمة أنه خليط بين الاثنين، ليست الأرض محل ولعنا وشغفنا وعشقنا، قطعا ليست الجدران ولا الشوارع ولا الحارات، إنها هذه الأبعاد بمن فيها من أرواح، أوطاننا في محل البقال في آخر الشارع، ليس لأنه محل وحسب بل لأن به السيد البقال، أوطاننا في مدارسنا التي لعبنا فيها وقطعنا الكتب في أيام الطيش والتفاهة، المستشفيات التي شممنا فيها رائحة الدواء أول مرة، المساجد التي عطرناها برائحة عرقنا ونحن نصلي المغرب بعد أن فرغنا من مباراة بعد العصر، أعمدة الإنارة، محل الحلاق، دكان الخردوات، الشارع الذي كنا نرص فيه الحجارة التي كنا نعبر بها عن المرمى الأولمبي ذي المقاييس الدقيقة "خمسة خطوات بين كل طوبة والأخرى"، الشارع الذي ترنحنا فيه بالدراجة في أيام تعليمنا الأولى وسقطنا على وجوهنا فيه، قد يكون المكان الذي اعتدت على الاختباء فيه من أعين رجال الحي وأنت تدخن حتى لا يصل الخبر لوالدك، وقد يكون أيضا المكان الذي لمحت فيه بنت الجيران أول مرة وبدأت قصة عشقك الأولى، لا عيب في أن يكون المكان الذي مارست فيه أحد طقوس الشقاوة القديمة بدءً من رمي للبيض على السيارات وانتهاء بالإشارة لسيارات الأجرة كي تسأل السائق عن الساعة، ربما يكون حيث حصلت على موافقة والدك لأن تقود سيارته، وربما أيضا يكون حيث قدتها دون علمه أول مرة، انظر له كيفما شئت فهو مواقف كثيرة وذكريات كثيرةٌ كَثيرةٌ كَثيرة.
الفكرة أنه ليس تلك الحدود السياسية التي ينادي بها سياسي القرن الحادي والعشرين في دعاوي التفرقة العنصرية الشائعة في هذا القرن الكئيب، بل هو الأماكن التي تختلط بها صور البشر ورائحتهم، لأن الوطن إن أمعنت النظر في مفرداته لن تجده قابعا في غرفة نومك بجدرانها العتيقة وبابها الرث وسريرك الرطب، لكنك ستجده إن أرجعت البصر كرتين تبحث عن الوجوه التي وردت على هذه الغرفة والمكالمات التي استقبلتها فيها والحروب الضروس التي دارت بينك وبين أهلك وكان باب الغرفة حائلا بين ما أنهيت به نزالك، هذا هو الوطن هذه الأماكن الدافئة التي تحمل في كل جزيءٍ منها ذكرياتك مرها وحلوها والأشخاص الذين كبرت وكبروا معك والعادات التي شِبتَ عليها وما سوى هذا هو الغربة.
متعكم الله بحلو أوطانكم J

Sunday 20 January 2013

فلسفة ليست فلسفية كما يجب!

إن هذا المقال لا يمكنني أن أصل لاسم له، فضلا عن أن أجد له غرضا، إنه مقال أكتبه لي وللزمن!

أتعرف مالمشكلة؟! المشكلة أنك لا تزال مؤمنا أن هناك ما يسمى "قلب" وتصر مع الكثير من البشر على أنه كيان قائم بذاته تدور بينه وبين العقل حروب ضروس جراء كون هذا العقل يجبر العقل أن يحب ويأسف ويحزن ويعيش دهورا في ظلام الأسى الذي يتسبب فيه الفراق. 
هرمونات البشر تلعب دورا هاما في تصرفاتهم وأفعالهم، لا أعني بهذا أن الهرمونات هي التي تخوض هذه الحرب الشنعاء مع العقل، دعني أكمل لو سمحت ولا تقاطعني! هرمونات البشر، هرمون بسيط يفرزه جسدك كفيل بأن يبقى يومك ورديا جميلا صحوا أيا كانت الظروف المحيطة، هرمون آخر يأتي ومعه أيام غبراء عليك وعلى من تعرف بمجرد أن يأتي فقط، عوامل الطقس، قابلية أجهزتك الداخلية على العمل بشكل سليم، أول شيء رأيته في صباح، كيف استيقظت، لم استيقظت، أي نوعٍ من الأخبار تنتظر، من أيقظك، كيف خلدت للنوم، مالذي راودك في منامك، وماذا فعلت أخيرا قبل أن تنام وغيرها من عوامل قد تهمل أهميتها هي التي تتسبب في كون الناس سعيدين منتشين بهرمون السعادة في أحيان، وغارقين في هرمون النكد في أحيان أخرى كثيرة في هذا الزمن.
إليك واحدة من المشاكل، البشر منشغلون جدا في التعليق على الحرب التي يزعمون قيامها بين قلوبهم وعقولهم، مهملين ما يحدث حقا داخل كيمياء عقولهم وبالتالي لا يتمكنون من إيجاد أس المشكلة الشيء الذي يجعلهم يتسببون في مشاكل مع البشر الآخرين ويتسبب آخيرا إلى إجبارهم على عدم التماس الأعذار لمن يخالطون في المجتمع. 
إليك مشكلة أخرى، لا يمكنك أن تكسب كل الناس وإلا ستخسر نفسك، المشكلة الأعظم في هذه المسألة أنك كي تكسب نفسك ستضطر لخسارة كثيرين في مشوار عمرك لدرجة أنك ستشك في أحيانٍ أن هناك أملا ولو طفيفا لأن تكسب أحدا بجانب هذا الأحد الكامن داخلك! هذا لا يجعل الحياة صعبة، لا يجعل البشر أوغادا، لا يجعل البرد قارسا، ولا يجعل الآيفون فايف بشريحتين وكرت ميموري هدية، لكنه يجعلك هشًّا إن استمريت على هذا المنوال الذي تنعي فيه حياتك ورفاقك ودنيتك ولم تعش بكل خلية فيك بصدر مفتوح للدنيا. البشر ليسوا كما تنعيهم، لكنهم قطعا وحتما وبلا شك كما تنشدهم، كما تبحث عنهم وكما تتحرى الجميل فيهم، أو على الأقل معظمهم كذلك، نعم معظمهم وإن كان لديك اعتراض فعلى الأرجح أنت الذي كنت منشغلا بالبحث عن الدرر في القمائم.

هناك أزمة سببتها الرياضيات كونها قالت أن واحد زائد واحد يساوي إثنان! حين فهم البشر الرياضيات وتشربوا أن المعطيات تؤدي بنا للوصول لمعرفة المجهول ورأوا أن المعادلات من الدرجة الثالثة والمعادلات ذات المجاهيل الثلاثة قابلة للحل ظنوا للأسف أن كل المعادلات قابلة للحل، فتوقفوا عن الحياة بحثا عن الصواب أو بحثا عن القوت أو بحثا عن السعادة وبدأوا يعيشون بحثا عن الحل! وما لا يعرفونه هو أنه لاحل! لأن  الواقع أن واحد زائد واحد تساوي واحد، اثنان زائد ثلاثة تساوي عشرة، واحد زائد صفر تساوي صفر! 

الصواب ليس رأيك، ليس رأيي، ليس هداك وليس هداي، وهو بالقطع والجزم ليس رأي إنسان غيرنا،، الصواب غاية نبحث عنها، هو الإبرة في كومة القش، الشعرة في الطحين، الكامل ابن الكامل ابن الكاملة في كومة البشر، هو المستحيل الذي لم يقل يوما لأحدٍ أنه يعيش في أحلام العاجز، هو الهواء الذي تتنفسه ولا تلمسه، هو الهرمون الذي تفرزه دقات قلبك وأنت على وشك أن تسرق، تكذب، تنتحر!! هو الغاية! ليس غاية، الغاية! التي يبحث البشر عنها كل يوم وكل صباح، كل البشر فيما بينهم الوغد الذي سرق حقيبتك والحقير الذي انتشل هاتفك، والمحترم الذي سبك يوما بالأب والأم! كل البشر! ولا مجال لمعرفة إن وصلنا للغاية هذه على الأقل في هذه الحياة.

الوحدة قذرة! الوحدة هي الشبح الذي ما إن نكون صداقة معه نكون قد دخلنا في بحر الظلمات، الوحدة هي الشيء الذي يجب أن تتجنبه وتعمل على تجنيب الناس إياه، الوحدة هي ما يجدر بك أن تنظر لأصحابها وتأسف وربما تبكي أسفا وحزنا عليهم، لو أن هناك شيئا واحدا عليك أن تخافه وتركض بكل ما آتاك الله من قوة حتى تموت هربا منه فهذا الشيء ليس إلا الوحدة!

لن تخسر شيئا إن أحببت كل من ابتسم لك، ستخسر الكثير إن كرهتهم أو توجست منهم خيفة، لن تخسر إن صمت، ستخسر أحيانا إن نطقت، لن تخسر إن فهمت، حتما ستخسر إن جهلت، لن تخسر إن قمت من نومك مبتسما، ستخسر الكثير إن لم تقم، ولن تخسر شيئا إن صدقت مع نفسك لكنك ستخسر كل شيء إن لم تفعل.

لا معادلة واضحة يمكن حل الدنيا عن طريقها، لذلك خض غمار التجربة ولا تشغل نفسك بالمجهولات. انشغل بمن أحبك لا تنشغل بمن كرهك، انشغل باليوم لا تنشغل بالأمس والغد، انشغل بمن يتواصل معك ولا تنشغل بمن هجرك، انشغل بأصدقائك ولا تنشغل بأعداءك، انشغل بما استفدته من كل ما قلته وأرجوك!! لا تشغل نفسك بلماذا قلته! 


Monday 14 January 2013

الإعلامي ذو الكوة

لا أعلم ما الذي دفع أحد إعلاميينا الكبار بأن يبادر بالحديث عن كوته التي لا مثيل لها، لم أستطع أن أتمالك نفسي وأنا أسمعه يقول: إعلاميين مصر معروفين بكوتهم! وأكمل حلقته يحدثنا عن هذه الكوة الخفية، اعتدل في جلسته ونصب قامته ثم بادر بالحديث عن كوة الإعلام المصري التي لم تتغير ولم تتنحنح ولم تتزحزح ولم نرَ لها مثيلا من قبل. ثم تحدث عن ماسبيرو الذي نشأ فيه وترعرع وتحدث أنه تربى على الكوة في ماسبيرو وبدأ فيها.. وعلى الأرجح أنه ينتمي لكوة ماسبيرو هذه.

إنه إعلامي مشهور لسانه سليط، لا يخشى إلا الله -كما يقول-، لم يجد حرجا في دفاعه عن الدكتور أحمد زويل- في أن يستشهد بآية قرآنية ويحرفها قائلا: (إنما يَخشى اللهُ من عبادِه العلماءِ) وإحقاقا لقول الحق أذكر الصواب وهو: ((إنما يُخشى اللهُ من عباده)) فالله يُخشى ولا يَخشى أحدا، إن هذا الإعلامي المتسم بيد لطالما "شوحت" للرئيس الحالي وسبحت بحمد الرئيس السابق هو إعلامي ذو كلمةٍ مسموعة لطالما أجادت استعمال كلماتٍ من عينة: الشفكة، الكدرة، الزباب، والكوة التي لو عرف ما ترمز إليه لألزمها فراشها ولما حركها مرة أخرى!

لقد تفشى في إعلامنا المصري إعلاميون لا يعرفون مخارج الحروف العربية فأدخلونا في بحار الظلمات ولم يوجدوا لنا مخرجا، إعلاميون رفعوا المجرور رافعين معه ضغط دمائنا ونصبوا علينا بنصبهم للفاعل فأمسينا جميعا مفعولا بنا وبلغتنا التي لا نملك غيرها معبرا عن هويتنا في زمنٍ تكالبت علينا فيه الأمم. فمتى يا ترى نجد إعلاميا يرفع همتنا بلغة قويمة، وينصب قامتنا بهمة عظيمة، ويجر الضعاف منا جرًّا نحو صلاح البلادة بنية صافية سليمة؟!

وأجيب على هذا التساؤل بأن أقول: قريبا! قريبا جدا! 

Thursday 10 January 2013

اثنين صغيرة فوق

في الصف الثالث الثانوي طلب معلم الرياضيات من أحد الطلاب في فصلي أن يقوم بإملاء معادلة رياضية من الكتاب عليه، قام الولد ولم يكذب خبرا وبدأ بإملاء المعادلة للأستاذ الذي بدأ يكتب وراء الطالب الذي قال بالنص: سين،، اثنين صغيرة فوق!! لم يكن بحاجة لأن يقول (إكس معووجة) كإشارة لعلامة الجمع لكي يتوقف الأستاذ عن الكتابة ويبادر بإلقاء محاضرة طويلة عريضة حول (كيف جئت للمرحلة الثانوية وأنت لا تعرف الأس؟) محاضرة أذكر وبوضوحٍ استمرارها للنصف ساعة المتبقية من الحصة والتي صب فيها الأستاذ جام غضبه على هذا الطالب المغلوب على أمره.
إن وجود طالب في المرحلة الثانوية لا يعرف معلومة كهذه فضلا عن العاهات الأخرى التي لا تخفى عليك عزيزي القارئ؛ أمثال من لا يقرؤون ومن يكتبون بخطوط هيروغليفية- وجودهم لا يجعل المشكلة فيهم أو في ذويهم أو في اللغة العربية أو الرياضيات مثلا، بل يجب أن يقف كل ذي عقلٍ رشيدٍ أمام هذه الطفرات الجينية -التي باتت أكثر من السويين في مجتمعنا- ويقول من جاء بهم لهنا أصلا؟! من أخرجهم من الصف الأول فالثاني فالثالث فالرابع فالثالث الثانوي؟ ابحث قليلا!! اعصر عقلك! نعم!! استمر في بوتقة هذه الفكرة! تكاد تصل!
أحسنت!! إنه الغش الحلال! ليس هذا ما وصلت له؟ لا يهم.
الغش الحلال: هو ذلك المنطق الذي سمح لهم بأن يخرجوا الطلاب من منظومة يطلق عليها اسم (المنظومة التعليمية) وبهم نسبة لا تقل عن 80% لا يجيدون نصب المفعول به ولا يجيدون نطق الجيم والذال والقاف، ليخرج إلينا الإعلام لاحقا يقول ألفاظا من عينة: (الشفكة، الكدرة، الكوة) ولو درا أيٌّ من هؤلاء الإعلاميين عن المعنى الحقيقي لكلمة "كوة" لأجبرها على أن تلزم فراشها ولا تخرج للملأ مرة أخرى.
الغش الحلال الذي بسببه لا نتساوى إلا في التكوين ونكبر نحن على مياه الحنفية ويكبرون هم على المياه المعدنية والجريب فروت، فنصاب نحن بالسرطان وفايرس سي ويصابون هم بالنقرس وعرق النَّسَا ويقولون لنا لاحقا: تكافؤ الفرص!

إنني أتحدث عن الغش الذي يجعل مجتمعنا ممتلئا بالفقراء من ذوي الموهبة والعظماء مِن مَن لا يملكون سوى الواسطة والبلهاء متقلدي مقاليد السلطة والحقراء من ذوي حق إطالة ألسنتهم السليطة التي تأكل كما يأكل الثور من المرعى فلا ينفذ المرعى ولا يشبع الثور.. ولا يقل عدد الثيران!
هو نفسه الغش الذي يجعل بعضنا يتقبلون أن يقبعوا لسنين وسنين في مواضعٍ غير مواضعهم مراقبين من بعيدٍ أوغادا يأخذون مواقعهم تلك، الذي يجعلهم يتقبلون أن يقوموا يوميا من على أسرتهم الرثة ليرتدوا ملابسًا رثة ليجلسوا على كرسي رث ويقوموا بممارسة وظيفة لا قبل لهم بها ويقولون كل يوم أنهم ذاهبون "للشغل"، إنه ذاك الغش الذي يجعلك ترضى بالقفا خلفه القفا، خلفه القفا، خلفه القفا وتستمر في ترديد: بس الغش حرام!!
أربطت الفرس يا صديقي؟ أفهمت ما أتحدث عنه؟!
إن لم تفهم فأنت الغشاش، وأنا رغم كل السواد الذي مارسته في حياتي لم أقترب من عظمة غشك، مع مراعاة أني غشاش قديم بمعاييرك.

تصبح على غش ككل يوم من حياتك!