Friday 30 November 2012

لازم نفهم صناعة المخلل في مصر

المصريون مشهورون بحبهم الشديد للمخلل! يمكنك أن تلمسَ هذا الحبَّ إن وقفت في الصباحِ بجانبِ أيٍّ من محال الفول -التي لا أكثر منها في بلادنا- واستمعت للناس وهم يقولون (زود المخلل الله يخليك). الرائحةُ النفاذةُ التي من شأنها أن تفتحَ شهيةً أغلقتها ديكتاتورية السنين، الطعمُ المتفردُ المتميزُ الذي يلعب بكافة مستشعراتِ الذوق في اللسان، النكهةُ الحريفةُ في بعض أنواعه التي تستمتع بها رغم أنها ستتسبب في إدماعِ عينيك الشرهتين وأسبابٌ أخرى أدت لتأصلِ حبِّ المصريين لِلمُخَلَّل ولكني بدأت أرى في الآونة الأخيرة أن ما يستهوي المصريين أكثر من أكل المخلل هو صنع المخلَّل نفسه! فهم كما يصنعون مُخَلَّلَ الخيارِ والفلفلِ والجزرِ وغيرها يتميزون بشكل فريدٍ في صنعِ الديكتاتورِ المخلل! نعم الديكتاتور المخلل! وَصفَتُهُ ليست بتلك الصعوبة يمكنني إيجازها لك في سطور:
يتطلب الأمر صبرا شديدا، ألقابًا قويةً ستطلقها على من تريد تخليلَه... ألقابٌ قويةٌ مثل: (الزعيمُ القائد، الرئيسُ المؤمن، يوسفُ هذا العصر، المناضلُ الثوري، الراجل اللي مفيش أحسن منه) وفورَ خروجِ قراراتهِ الجهبذيةِ ستبدأ بالتصفيق فورا ولا مانع من التصفيق قبل خروجها فإن هذا الزعيم لن يخرج إلا بقرارٍ رائعٍ وعظيمٍ مثله. عليك أن تُشيدَ بكل ما يفعله! عليك أن تصفق إن ضحك وإن بكى وإن ربط جزمته وإن مسح نظارته وإن تفقد ساعته وإن تمخط في منديل وإن تمخط في كم القميص وحتى إن استأذن للدخول للحمام عليك أن تصفق وتشيدَ بتواضعه إذْ قام هذا العظيم بنفسه وَذَهَبَ إلى الحمام! تذكر أن المخلل يجب أن يحفظ في درجة حرارة معينة بعيدا عن أي عواملِ ضغطٍ أو حرارةٍ مرتفعةٍ أو أي عبثٍ بالسائلِ الذي سيحفظُ فيه ويجب أن يُحفظ لفترة زمنية طويلة! انتبه من هؤلاء الذين يريدون جعلها 4 سنوات فقط فإنهم سيفسدون طبختك. انتظر خروج تلك البكتيريا الضارة التي ستتجرأ وتقوم بالاعتراض على إحدى الدرر الخارجة من فم هذا العظيم الجهبذ الذي يجب عليهم أن ينحنوا احتراما له، وفور أن يخرجوا لك ابدأ بتخوينهم وقتالهم وسبهم ولعنهم وتكفيرهم وإخراجهم من كافة الملل والعقائد السماوية والأرضية ولا تنسَ أن تعدهم بجهنم يصلونها وبئس المصير، إذ إنهم قد عارضوا شخصا يصلي في المسجد ويحفظ القرآن وعلى جبهته ما نسميه "زبيبة" من أثر السجود!
مخلل الديكتاتور يتميز عن غيره بأن طعمه فيه مرارة غريبة، أعد قراءة الوصفة وحاول اكتشاف السبب وراء كونه مرا لهذه الدرجة وحدد كمصري إن كنت تريد صنعه مرة أخرى أم لا!

Thursday 22 November 2012

رائحة الموت

لا أظنه للقلوب الضعيفة! تلك التي تهتز دمعاتها بعد أن تسمع خبر أحدهم! أغلق الصفحة إن كنت منهم!

توقف خبر الموت عن تشكيل فارق بالنسبة لإفرازات دماغي منذ فترة ليست قصيرة. أول مرة كانت غريبة! السؤال الذي لا يتوقف عن الإشعاع داخل عقلك ليشكل لك ارتباكا عظيما وشعورا قويا بالضعف الشديد السؤال الذي نثبت نحن البشر أنه لم يتوقف عن الرن داخل آذاننا حين نصرخ (لا إله إلا الله) ونحن نذكر الفقيد؛ ولكن بعد أول مرة تبدأ في البكاء في الثالثة تتخذ أساليبا جديدة تماما وتبدأ تعتاد الأمر.
يأتيك الخبر.. تقول في نفسك السؤال المعتاد وتكرر على الملأ أن (لا إله إلا الله) وتعقد العزم أنك ستتمالك نفسك هذه المرة، ستقف لتصلي عليهم ولن تنهار مع أول تكبيرة، تعاهد نفسك أنك ستتماسك! إن لم يكن لأجل الفقيد فلأجل أهله تنظر في أعين الحاضرين فتشعر بالفراغ الشديد فيها تلمس التبلد الذي أصاب الوجوه وليس تبلدا ناتجا عن برودة مشاعر بل تبلدٌ ناتجٌ عن مشاعرَ احترقت بشدة حتى لم تترك وراءها رمادا حتى.
إلى أن تحين ساعة الحقيقة ويبدأ الإمام بتذكيرك أن لا تبكي، فتبكي! ويذكرك ألا تسخط، فَأَسَفًا تَسخَط! وتذكيرك بالدعاء لهم.. فتتمالك نفسك وتدعو! من أعماق أعماقك تدعو! الاختناق الذي يصاحب كل كلمة تلفظها، الأنفاس المتتابعة المتسارعة التي تبقيك على قيد الحياة كي تستمر في الدعاء، استمرارك في التفكير أنك تحلم وأن ما يحدث مستحيل وأنك حين تمسح دموعك وتلعب في عينك قليلا ستقوم من على سريرك لتذهب إليهم وتحتضنهم وتذكرهم أن يعملوا لهذا اليوم، ردود أفعال لا توصف لفعل يسميه البشر "سنة الحياة".

إنها ليست سنة الحياة كما يقولون، رائحة الموت التي تجتاح المقابر وكل تفصيلة فيها! الآلات الحدباء التي لا يمكنك أن تحيد بتفكيرك عن أنك ستُحمل عليها يوما ما، الصراخ الذي لا يمكنه أن ينقطع، البحلقة! نعم! تلك العيون التي يمكنك أن تلمس أنها لا تشاركك الحزن وحسب بل تشاركك كل معاني الألم والتساؤل والانزعاج! تشاركك في الاستغراب، تشاطرك الرغبة في الحصول على إجابات، تتعاطف معك، عيون يمكنك أن ترى من الهالات تحتها أن دموعها جفت! تلك الرهبة التي يقشعر لها جسدك بمجرد أن ترى جسدا كنت في يوم تمازحه يُقاد نحو حفرة ضيقة لا ماء فيها ولا هواء، الأم الثكلى والأب المكلوم والإخوة المصدومون والأصدقاء المرتعبون والمحبون! المحبون الذين خططوا مع من صليت عليهم لسبعين وربما مائة سنة قادمة، الصدمة على وجوهمم لا تقول أن ما يحدث "سنة حياة" بل تقول أن البقاء للأقوى والأقوى ليس أي أحدٍ غير الله جل وعلا!

حملت ثلاثة أصدقاء نحو لحدهم،  في كل مرة كنت أستغرب أنني لم أُصَب بانهيار عصبي في التو واللحظة، كيف ما أزال واقفا وما زالت عيوني ترتعش ولا تغتسل بدموعها، في كل مرة كنت أردد أن (لا إله إلا الله)، في كل مرة.... كنت أدخل المسجد لأستنشق رائحة الموت وأبدأ في طقوس الحزن التي لن يتمكن البشر من فهم مسبباتها يوما وفي كل مرة كنت أقول في نفسي (هيتقلب إزاي في الزنقة دي)!

غرفة الأستاذ هيثم ومدونة جود ورسائل أميرة، يجعلونني أتأكد لا حقا أنها ليست "زنقة" لهم كما يظن عقلي المحدود!
رحم الله أمواتنا وأمواتكم!

Sunday 11 November 2012

الشَّفَكَةُ

الطريقة التي يتحدث بها الإعلاميون الذين يفترض بنا أن نصدق أنهم ينتمون لشارعنا المصري والعربي هي طريقة مثيرة للشفقة لأكثر من طرف في منظومة الإعلام، ولا أتحدث فقط عن أحلامهم الوردية غير الواقعية بالمرة التي لا يستحون من مشاركتها أمام الملأ ولا حتى عن توجهاتهم البادية في كل ما يطلبون من السلطة ومن الشعب بل أتحدث بشكل أساسي عن اللغة التي لم يعبثوا فقط بمخارج حروفها بل تطور الأمر فصاروا يعبثون بقواعد النحو فيها ومن تلك النقطة انطلقوا حتى للعبث بإعراب آيات القرآن وعبثوا بالمعاني أيما عبث.
لا أعلم حقيقة إن لم تكن اللغة هي أول ما يهم في اختيار الإعلاميين فما هو هذا العامل القوي الذي بسببه دُفع بلميس الحديدي لتقول على الهواء مباشرة (إحنا لسنا قادرون على فهم اللي حضرتك بتقوله) لأن هذا العامل عليه أن يكون قويا جدا لدرجة تجعلنا نتجاوز عن عمرو أديب وهو ينطق آية من القرآن كالتالي: (إنما يَخشى اللهُ من عباده العلماء).
إن تفريط مجتمعٍ في لغته هو أسوأ ما قد يصيبه ويجب أن يكون شغل المثقفين في عالمنا العربي في الفترة القادمة هو بشكل أساسي العمل على إحياء علوم اللغة والتأكيد على عظمة هذه اللغة لأننا إن وصل بنا الحال للتفريط في اللغة العربية سنجد أنفسنا نفرط في أشياء كثيرة دون أن نشعر.

مَساءُ الخير

Tuesday 6 November 2012

الأفورة في شعوب مِتحَرَّرة

الــأَڤوَرَة: صيغة شائعة بين مجتمع الشباب في مصر يعبرون بها عن وصول شيء ما لحد مبالغٍ فيه وفي رواية أخرى (إن أوڤر معناها زائد عن الحد وكدزا) وهي مشتقة من الكلمة الإنجليزية (Over) والتي تعني (انتهى).
تعيش الأڤورة اليوم أزهى عصورها حيث انتقلت من كونها فعلا يرفضه أفراد المجتمع إلى فعلٍ يطالب بعض أفراد المجتمع بالحق الكامل في ممارسته دون تضييق من أي فرد آخر يقع عليه ضرر كبير جراء هذه الأڤورة.
ولقد بدأت الأڤورة تأخذ هذا الطابع في زمن الزعيم الراحل (جمال عبدالناصر) يوم أن قرر سيادته أن يخرج علينا رئيسا منتخبا من قبل الشعب بنسبة 99.99% وقرر الشعب الكريم أن يقول: هييييه! ثم بدأت تسير في مناحٍ أكثر تطورا ونحن نشهد تولي السيد الرئيس السيد محمد حسني السيد مبارك رئاسة الجمهورية بعد وفاة فقيد الأمة السيد الرئيس محمد أنور السادات الذي يُرجع البعضُ الفضلَ له في دخول الحشيش إلى مصر. 
اليوم وقد انتقلت أمتنا العربية من فاعلٍ لمفعولٍ بها وقرر أهل اللغة الموقرون وأهل الشعر المحترمون أن يلجؤوا لشعر الحب والغرام بدلا من الشعر الوطني والملحمي والليبرالي وصلنا لمرحلة متطورة جدا من الأڤورة، حيث توقفنا عن استخدام ألقاب كـ(السيد الرئيس، الزعيم القائد، فقيد الأمة) وبدأنا باستخدام ألفاظ أوڤر أكثر منها! وهو إن دل فيدل على علمنا باللغة ومفرداتها كوننا تمكنا من إيجاد مصطلح "أوڤر" أكثر من "فقيد الأمة"! أتمنى قارئي العزيز أن تكون تتساءل عن هذه المصطلحات التي بلغت ما بلغت لأن عدم علمك بها يضمن لك حياةً خالية من ارتفاع الضغط وانخفاض السكر، علمك بهذه المصطلحات له إيجابيات هو الآخر فعلمك بها وإنكارك لها في وقت واحد يضمن لك ابتسامة شبه دائمة وأنت تفكر في مدى غباء من اخترعوا لقبا كـ (فضيلة الشيخ أعلم أهل الأرض) ومن أَوَّلُوا جملة في غاية الجمال وفي غاية الدقة لتصبح (لحوم محمد حسان ووجدي غنيم وخالد عبدالله مسمومة).
مثل هذه المصطلحات هي التي تقودنا لكتابة وصفة صناعة الفراعنة والمتعنطزين وأولاد الكلب:
1. أحضر إنسانا عادي فرط.
2. قم بإصدار بعض التصاريح التي تعبر عن فكر سليم عن طريق هذا "العادي".
4. راقب العادي يكوِّن جيشا من عديمي الفهم والضمير.
3. اجعل "العادي" يقوم بابتكار فكرة أغبى من الغباء وإعلانها للمجتمع.
4. راقب صراعا سينشأ بين معدومي الفهم ومالكيه.
5. راقب معدومي الفهم يقطعون الفاهمين إِرَبًا إربًا.
6. أجري يا مجدي!

*يقدم هذا "العادي" مع مزيج من الألقاب الفرعونية بتش الكلب*

Sunday 4 November 2012

شباب المستقبل

من زمن الأتاري السيجا وبسكوت ريكو والتلفزيون ذي الأربع محطات، خرج جيل لا يمكنك إنكار أنه جيل مميز! جيل تربى أمام سبيستون يستقبل منها أعظم دروس الوعظ ويتعلم أقوى قصص الكفاح، جيل كان يسمع الكلام حين تقول له سبيستون قبل بداية إحدى برامجها رسالةً هامة: (إنتبه! عيناك في خطر.. اترك مسافة مناسبة بينك وبين الشاشة!)، جيل يملك كل الأدلة والإثباتات أنه جيل مميز بحق!
مالا يمكنني التوقف عن التفكير به هو أبناء الجيل الجديد! الجيل الذي يغني (أخاصمك آه) بدلا من (ما عاش الظالم يسبيكِ وفينا نفسٌ بعد) الجيل الذي نجد من يصورونه يغني (هاتي بوسة يا بت) بعد أن كنا نغني (لن نستسلم مهما ازداد الظالم بغيًا سنهب بوجه الطغيان) الجيل الذي يتابع العشق الممنوع والعشق الحرام وفاطمة وحريم السلطان.
الموضوع أزمة فعلا! أزمة لن تذهب بالأخلاق وحسب.. بل ستذهب بالوطنية وباللغة وبالإحساس وبالحياء وبالملابس قريبا جدا بعد دخول حريم السلطان في الصورة! لأن ما ستتوقعه من جيل كان يغني (بهاءٌ ضياءٌ طيورٌ ونورٌ وغيمٌ بديع الجمال..سأحمي بجسمي ولحمي وعظمي ويعلو لواء النضال) هو وطنية منقطعة النظير وانتماء للغة العربية التي كانت سبيستون تعلمنا تفعيلاتها وبحور شعرها بطريقة في غاية الروعة، أما الجيل الذي نشأ يرى سلطان العثمانيين الذي كان يمثل الدولة الإسلامية حينها لديه "حريم" يختار من بينهم وتقع عينه على خادمة أبدت من مفاتنها أكثر مما أبدت فيفي عبده طيلة حياتها "الفنية" هو جيل سيرينا آباء "لارج" وأمهات "فري" وأطفال فيما بعد متخلفين! مالرسالة التي تتوقعين أن تصل لابنك أو ابنتك وأنتِ تشاهدين معهم مسلسلا يدور حول امرأة متزوجة مغرمة برجل آخر بينما يخونها زوجها مع امرأة أخرى خالص!؟ فعلا مالرسالة التي ستصل لابنتك وأنت تنفعلين مع المرأة الخائنة لأن زوجها يقتلها على خيانتها؟ مالدروس المستفادة والعِبر التي سَتُكَوِّنُ بذور المبادئ لدى أطفالك وهم يتابعون معك مسلسلًا يتحدث عن رجل يقتل كل من يقف في طريق شهواته!؟
الطفولة هي أهم مرحلة في مراحل تكوين أي إنسان! إن كان أهل هذا الإنسان يرونه "مش فاهم حاجة" وتركوه للتلفاز يربيه سيكبر ليصبح كالتلفاز! يقول ما لا يعقل، يحفظ ولا يفهم، تتغير مبادئه بتغير المادة وتغير الظروف! وإن كان أهل هذا الإنسان يرونه إنسانا كاملا من صغره سيحرصون على أن يفهم ما يرى، يحلله بدقة ويستوعب كل جزئية منه يجيبون على تساؤلاته التي سيجيب عنها لوحده ما إن يكبر! ولا يمكنني أن اتخيل الغاية من إجابة طفل في الصف الرابع أو الخامس الابتدائي عن سؤال كـ: (هو يعني إيه بتخون جوزها!؟) فالموضوع ليس بمتابعتك لما يشاهد وحسب بل بأن تكون حاضرا لتصنيفه وحمايته مما قد يشاهد!
أمي كانت تقول لي دائما: من آمنك لا تخونه وإن كنت خاين! و مسلسل "عهد الأصدقاء" كان يكرر نفس الرسالة في كل حلقاته! مارأيك في الرسالة التي مفادها: (من آمنك لا تخونه إلا لو كنت هتخونه عشان خاطر واحد بتحبه أوي) التي يستقبلها أطفال اليوم من مسلسل نور وغيره كل يوم!؟ صدقني حين أقول لك أنه لا خيانة أعظم من أن تخون ربك في أبنائك!
انظر لي أتحدث! تيقن أن ابنك سيمتلك نفس القدرة على الحديث قريبا جدا فقرر كيف تريده أن يتحدث، فيمَ تريده أن يتحدث، عمَّ تريده أن يدافع، ماهي المعاني التي تريده أن يعيها وهو يردد الأغاني التي حفظها وهو صغير بدون أن يفهمها، لأي لغة تريده أن ينتمي، لأي فكرة تريده أن يعيش، ماذا تريد منه أن يكون؟؟ بعد أن تجيب ويجيب آباء اليوم على هذه الأسئلة بشكل صحيح ستنخفض معدلات مشاهدة إم بي سي وستكف محطات المسلسلات التركية عن التكاثر وستعود سبيستون لتكون قناة شباب المستقبل!