Thursday 22 November 2012

رائحة الموت

لا أظنه للقلوب الضعيفة! تلك التي تهتز دمعاتها بعد أن تسمع خبر أحدهم! أغلق الصفحة إن كنت منهم!

توقف خبر الموت عن تشكيل فارق بالنسبة لإفرازات دماغي منذ فترة ليست قصيرة. أول مرة كانت غريبة! السؤال الذي لا يتوقف عن الإشعاع داخل عقلك ليشكل لك ارتباكا عظيما وشعورا قويا بالضعف الشديد السؤال الذي نثبت نحن البشر أنه لم يتوقف عن الرن داخل آذاننا حين نصرخ (لا إله إلا الله) ونحن نذكر الفقيد؛ ولكن بعد أول مرة تبدأ في البكاء في الثالثة تتخذ أساليبا جديدة تماما وتبدأ تعتاد الأمر.
يأتيك الخبر.. تقول في نفسك السؤال المعتاد وتكرر على الملأ أن (لا إله إلا الله) وتعقد العزم أنك ستتمالك نفسك هذه المرة، ستقف لتصلي عليهم ولن تنهار مع أول تكبيرة، تعاهد نفسك أنك ستتماسك! إن لم يكن لأجل الفقيد فلأجل أهله تنظر في أعين الحاضرين فتشعر بالفراغ الشديد فيها تلمس التبلد الذي أصاب الوجوه وليس تبلدا ناتجا عن برودة مشاعر بل تبلدٌ ناتجٌ عن مشاعرَ احترقت بشدة حتى لم تترك وراءها رمادا حتى.
إلى أن تحين ساعة الحقيقة ويبدأ الإمام بتذكيرك أن لا تبكي، فتبكي! ويذكرك ألا تسخط، فَأَسَفًا تَسخَط! وتذكيرك بالدعاء لهم.. فتتمالك نفسك وتدعو! من أعماق أعماقك تدعو! الاختناق الذي يصاحب كل كلمة تلفظها، الأنفاس المتتابعة المتسارعة التي تبقيك على قيد الحياة كي تستمر في الدعاء، استمرارك في التفكير أنك تحلم وأن ما يحدث مستحيل وأنك حين تمسح دموعك وتلعب في عينك قليلا ستقوم من على سريرك لتذهب إليهم وتحتضنهم وتذكرهم أن يعملوا لهذا اليوم، ردود أفعال لا توصف لفعل يسميه البشر "سنة الحياة".

إنها ليست سنة الحياة كما يقولون، رائحة الموت التي تجتاح المقابر وكل تفصيلة فيها! الآلات الحدباء التي لا يمكنك أن تحيد بتفكيرك عن أنك ستُحمل عليها يوما ما، الصراخ الذي لا يمكنه أن ينقطع، البحلقة! نعم! تلك العيون التي يمكنك أن تلمس أنها لا تشاركك الحزن وحسب بل تشاركك كل معاني الألم والتساؤل والانزعاج! تشاركك في الاستغراب، تشاطرك الرغبة في الحصول على إجابات، تتعاطف معك، عيون يمكنك أن ترى من الهالات تحتها أن دموعها جفت! تلك الرهبة التي يقشعر لها جسدك بمجرد أن ترى جسدا كنت في يوم تمازحه يُقاد نحو حفرة ضيقة لا ماء فيها ولا هواء، الأم الثكلى والأب المكلوم والإخوة المصدومون والأصدقاء المرتعبون والمحبون! المحبون الذين خططوا مع من صليت عليهم لسبعين وربما مائة سنة قادمة، الصدمة على وجوهمم لا تقول أن ما يحدث "سنة حياة" بل تقول أن البقاء للأقوى والأقوى ليس أي أحدٍ غير الله جل وعلا!

حملت ثلاثة أصدقاء نحو لحدهم،  في كل مرة كنت أستغرب أنني لم أُصَب بانهيار عصبي في التو واللحظة، كيف ما أزال واقفا وما زالت عيوني ترتعش ولا تغتسل بدموعها، في كل مرة كنت أردد أن (لا إله إلا الله)، في كل مرة.... كنت أدخل المسجد لأستنشق رائحة الموت وأبدأ في طقوس الحزن التي لن يتمكن البشر من فهم مسبباتها يوما وفي كل مرة كنت أقول في نفسي (هيتقلب إزاي في الزنقة دي)!

غرفة الأستاذ هيثم ومدونة جود ورسائل أميرة، يجعلونني أتأكد لا حقا أنها ليست "زنقة" لهم كما يظن عقلي المحدود!
رحم الله أمواتنا وأمواتكم!

1 comment:

  1. بالرغم من صغر سنك شعرت بعمق تفكيرك ونضجك
    عنجد راااااااااائع

    ReplyDelete