Tuesday 6 August 2013

وداعا شهر الطعام...

أريد وضع يدي الصغيرتين على الحقبة التاريخية التي انتقل فيها شهر رمضان من شهر الصيام لشهرٍ تشيع فيه فاحشة الشره بشكل مبالغ فيه، ليكون أنسب مكان لاقتباس عبارة عادل إمام في مسرحية الواد سيد الشغال: يعني ناس عندها لحمة، تعزم ناس عندها لحمة، عشان ياكلوا لحمة؟! أشياء جميلة تحدث لدينا يا رجل!!
رمضاننا كمسلمين هذا العام لم يختلف عن الأعوام السابقة كثيرا، إعلانات الطعام تملؤ جدراننا وتلفزيوناتنا، التخفيضات على العطور بلغت أشدها، المغنيات والممثلات أرهقهن الحر الشديد ولم يجدوا سبيلا دون الخروج علينا بملابس أخواتهن الصغيرات، جوامعنا امتلأت عن آخرها بمصلين يركعون ويسجدون وسياراتهم تسد شارعا عاما وهي تقف وقوفها مخالفا للقوانين الوضعية التي لا علاقة لها بالجنة والنار التي نتطرق إليهما في كل دعاء، ولا ننسى البطل القومي لكل رمضان، الخلاف العبقري الذي لا يمكننا أن نشعر بطعم رمضان دونه، الطفرة الجينية التي لا يخلو منها مجتمع.. الرجل الذي يسأل في برنامج الفتاوي الرمضانية في كل رمضان نفس السؤال: يا شيخ هل معجون الأسنان يفطر؟!
ما لا ندركه كمسلمين أن معجون الأسنان وإن بلعناه بلعًا لن يكون سببا في جرح صيامنا أو إهداره بقدر ما ستكون معظم أعمالنا سببا في ذلك، كعربات التسوق الممتلئة عن بكرة أبيها ونحن خارجون من الأسواق أمام الفقراء ممن لا يجدون خُمس ما نأكله، أو كالمسبات واللعنات التي لا يجد معظمنا بُدًّا من توزيعها كل يوم كونه يملك رخصة أنه "صايم وواصلة معاه لهنا"، أو كما يفعل اكتشافنا العبقري الأخير كعرب والذي وجدنا فيه أن اختلافنا مع أمامنا يعطينا الحرية الكاملة في سبه وشتمه ولعنه وتخوينه وتكفيره والتوطئ في بطنه بما لا يخالف شرع الله ولا يمس صيامنا الطاهر في شيءٍ كوننا على صواب بينما من يخالفنا ليس سوا حشرةٍ لا تخاف الله رب العالمين ويجب علينا أن نقوم بممارسة "الهَش" إزاء هذه الحشرة عن طريق سيالات السب واللعن تلك، نُبدع نحن في خلق الخلاف من كل اختلاف!
رمضاناتنا أصبحت شهور طعام لا إطعام، وأصبح تناولنا فيها لما لذ وطاب مخيفا وغريبا لدرجة تدفع الأمم حولنا للتساؤل عما إن كنا نصوم هذا الشهر فقط أم نأكل في هذا الشهر فقط، مساجدنا وإن كانت تمتلئ بالمصلين كل صلاة إلا أنك لا تجد مجالا لإهمال حقيقة أننا لا نكف عن الدعاء دون عمل، لا تجد إماما يدعو الله أن نتوقف عن قطع الإشارات مثلا أو يدعو الله أن يدرك الجميع أهميه تفريش الأسنان بالفرشاة والمعجون، أو أن يفقه الآباء ثقافةً تجعلهم يربون أبناءهم على كف أذاهم عن الناس والاحتفاظ بذكرياتهم لأنفسهم وأن يرحموا جدراننا من خطوطهم الجميلة وكتاباتهم الحزينة.. كنت أتمنى فعلا من كل قلبي أن أجد إماما يدعو الله أن يتوقف المجتمع عن استخدام مبدأ زوجوه يعقل حتى تتوقف هذه الأجيال عن إخراج مسوخ أوادم لم تتعرض لهم يد التربية بتاتا إلا بجلب الحفائظ وزجاجات الحليب والألعاب التي ترفع نسبة الغباء التي هي مرتفعة جراء توصلنا لهذه الزيجات أصلا، لكن أئمتنا يرونه أولى أن يدعوا على الطاغية بشار وارتفاع الأسعار وظلم التجار، وأن يطلبوا من الله الجنة ويسألونه النجاة من النار، لا مشكلة، لعلنا ندرك يوما أن هذه بتلك.
المهم.. لكل أولئك الذين صاموا وقاموا وجاهدوا أنفسهم في سبيل الله، ولكل أولئك الذين دخلوا رمضان بأحجام آدمية وخرجوا منه ليعيدوا عهود الديناصورات، ولكل أولئك الذين سيقولون بدءً من الغد: اللهم بلغنا رمضان! ولكل من سيرسلون رسائل التهنئة بالعيد المحاطة بالزخرفات والكلام المسجوع ولكل أولئك الذين سيدفعهم تدينهم للدعاء على من يختلفون معهم في ليلة القدر وفي كل ليلة من ليالي رمضان، لكم جميعا يا من أسلمتم وجوهكم لله وأقمتم الصلاة وصمتم رمضان إيمانا واحتسابا، لكم أقول: كل رمضان وأنتم.. تأكلون ولا تشبعون، توعظون ولا تتعظون، تُفتنون وتستجيبون، تجتزؤون الكلام من آخره وأوله ولا تتوسطون.. كل عام وأنتم... جائعون!!

Monday 20 May 2013

أنا فعلتها (قصة قصيرة بس مش أوي)

أعرف قصة!!
عن أصدقاء ثلاثة قرروا تغيير العالم، كانوا قبل اتخاذ قرارهم هذا يعملون في مصنع مديره رجل مستبد فاشي لا يمتلك أدنى درجات الشعور ببني آدم من حوله! 
في يوم ماطر لم تطلع له شمس دعا المدير الكريه موظفيه لمحاضرة إجبارية سيتحدث فضيلته فيها عن مقومات النجاح وعوامله، المحاضر بالطبع لم يكن غير المدير والمستمعون لم يكونوا أحدا غير الموظفين المغلوبين على أمرهم، جلس المدير يثرثر لثلاث ساعات عن كيف نجح وكيف أصبح ما هو عليه اليوم وبدأ يتحدث عن بطولاته يوم أن كان عمدة البلدة التي تمخضت عن عبقريته، تحدث واصفا مشهدا أسطوريا يمسك فيه بما أسماه: طبنجة، أطلق منها طلقتين في الهواء وهو يفض نزاعا كان دائرا بين قبيلتين لعقود متصلة، عقب طلقتيه المباركتين، ادعى سماحته أنه دعى القبيلتين في منزله المتواضع وقام بحنكته وحكمته البليغة بفض النزاع الذي كان علة كل مصيبة وكارثة تحدث بالبلدة! وعقب أن انتهى من سرد قصته نظر لجمهوره الصامت بابتسامة صفراء قال بها أنه أعلى، أقوى، أذكى، أدهى،


أشرف وأعز من كل هؤلاء الكادحين الماثلين أمامه! لحظات من الصمت سادت وهو مازال مبتسما ويهز رأسه بزهو بالغ! 
فجأة... هتف أحد الكادحين من الصفوف الخلفية: ثم استيقظت من نومي! 
استغرق الأمر بضع ثوان حتى أدرك المدير -الذي لم يكن قد توقف بعد عن هز رأسه وفتح فمه على مصراعيه- أن ما سمعه هو استهزاء وسخرية بواح! قام غاضبا من على كرسيه الفاره وصرخ في الحاضرين أمامه: من قال هذا؟! 
تلفت الجميع يمنة ويسرة، منتظرين اعتذارا ربما أو أي علامة انكسار يعبر بها الهاتف هذا عن أنه أصيب بخلل عقلي وهو يهتف بما هتف به! 
لكن يبدو أن الأدرينالين كان قد تمكن منه، لم يتطلب الأمر الكثير من الوقت حتى وقف أحدهم هاتفا بصوت أعلى هذه المرة: أنا!! تأمله الجميع،، أربعيني المصنع كله يعرفه، يداه نحيلتان، ليس أبيضا ولا يمكنك الجزم بسمرته، شعره قصير، وجهه مثلث تبدو من جلده عظام جمجمته، ظهره قائم لا انحناء فيه، عيناه جاحظتان،،، أنا قلت هذا! كسر بكلمته الصمت وأسمع السكون صوتا مختلفا عن صوت المدير الذي يبدو أنه لم يتعب من الساعات الثلاث التي قضاها يثرثر لأنه لم يجد حرجا في هز وقاره المزيف بإطلاقه قهقهة ضخمة وهو يشير للهاتف وينظر للموظفين في إشارة منه أن اضحكوا معي! ها ها ها! توقف بعد ثوان حين اكتشف أن الأمر ليس مضحكا! الجميع يريدون معرفة ما حل بعقل النحيل هذا! كلهم سئموا ترهات السمين صاحب الحلة الفارهة التي ثمنها على الأرجح يكفل لصاحبنا مستقيم الظهر طعام ألف سنة مما هو وأهله يعدون! 
عاود النحيل يهتف بغرور بليغ: نعم أنا! قالها وهو يعبث بشاربه الخفيف، غروره البليغ أعجز لسان المغرور المبالغ الذي نظر لساعته الذهبية المتدلية من جيبه وهم بأن يقول شيئا ما، إلا أن صوتا جديدا قاطعه: أنت كاذب! أنا قلتها! صاحب الصوت كان يخاطب صاحبنا النحيل ووقف هذا الوجه الجديد ليعرف الجميع بنفسه، ولينظر الجميع لصاحبهم الأول الذي لم يحرك ساكنا، تظاهر المدير بعدم اكتراثه بما يسمعه واستمر في تأمل ساعته وكأنه يحسب الأيام المتبقية حتى تقوم القيامة، إلا أن صوتا آخر جذب اهتمامه، الصوت لم يأت بجديد كل ما قاله كان: بل أنا من قلتها!! 
المدير الذي سقطت ساعتها من يده بدأ يتراجع ليعود لكرسيه في محاولة منه لملك زمام الأمور التي شعر أنها بدات تتصاعد لتصبح فوضوية وهو يسمع همهمات الموظفين تتعالى والضحك باد من كل جانب ومثار الضحك واضح أنه المدير لا أحد غيره! 
أنتم الثلاثة مطرودون! دعونا نرى من سيمضي حياته يحلم! 
كان هذا ما تفتق ذهن المدير عنه ردا على ما قيل وردعا لما قد يصير، لكنه لم يحسب حساب أن الجملة كانت مكونة من أربعة كلمات ويبدو أن الذي قام رابعا كان هو الذي نال شرف قول الكلمة الأخيرة! لأنه هتف بصوت ليس بعيدا عن الأصوات الأولى: أنا أيضا قلتها! 
تعالت الضحكات الهستيرية، جبهة المدير تعرقت وريقه كاد يجف لولا بعض قطرات العرق التي تسللت لداخل فمه، هم بأن يطالب بالنظام في قاعته! أصوات كثيرة وقفت له بالمرصاد! بل أنا! لا أنا! أنا أيضا! عدوني معكم! كل من في القاعة وقفوا تقريبا! 
كلهم وقفوا أخيرا ليشهدوا ارتجاف المستبد الذي لطالما سلب حقوقهم، حرمهم من إمضاء وقت إضافي مع أطفالهم، أذلهم بالراتب السخيف الذي يعطيهم إياه كل شهر، أسال لعابهم بالطعام الذي لم يخجل يوما من تناوله أمامهم وهم يفحتون في أعمالهم، علت وجوههم ابتسامة لم تختلف عن تلك التي رسمها على وجهه وهو يتبوء منزلة ليست له فوقهم، ساد الصمت قليلا إلى أن هتف هاتف: علاوة! إجازات أكثر! ساعات راحة! 
لم يبد الجميع اعتراضا، مازالوا واقفين ينظرون بعلو للمدير الذي بات لأول مرة مغلوبا على أمره، نظر لهم في انكسار، منظرهم مهيب! 
تنحنح وبلع ريقه ورفع عينه لهم وقال بصوت خافت: لكم ما طلبتم! 
لم يكترث بلملمة بقايا ساعته المحطمة، أسرع خارجا من باب القاعة التي كانت باردة منذ دقائق، هرول لمكتبه، الموظفون تبادلوا التهاني وهم يخرجون من نفس القاعة ولكن برؤوس مرفوعة وابتسامة تعلو محياهم! 
الساعة لم تجد من يلملمها، ورغم تناثر زجاجها حولها لم تتوقف: تيك توك تيك توك!!

Monday 8 April 2013

ارتجال

هاكهم،،، البشر يستغربون كثيرا مما يصيبهم، كلما حلت بهم كارثة تصيبهم حالة اندهاش ويبدأون في التساؤل لماذا وكيف ولم أنا تحديدا؟ وغيرها من الأسئلة السخيفة التي إجابتها في السطور القادمة:
الجميع يبحثون في الناس عن الصديق المثالي وقليلون هم الذين كلفوا أنفسهم بالبحث في كيف يكونون هذا الصديق، الحب أصبح مقصورا على قصص الغرام والعشق والهوى ولا يخطر ببال أحد أن المحب صديق قبل كل شيء، العاملون يعملون ليأكلوا وإن أدوا عملهم بدقة وتفان أكثر فهذا في سبيل بحثهم عن الشبع من الأكل، الزواج في معظمه أصبح وسيلة للتعفف والأطفال نتيجة لارتباط اثنين جلسا في الصالون تأمل كل منهما الآخر ثم قرؤوا مع ذويهم الفاتحة وعلى الأرجح أنها الفاتحة على روح مستقبل مظلم مقبلون جميعا عليه، معظم بني آدم توقفوا من بضع عقود عن النظر في عيني من يخاطبون لأنهم توقفوا عن تصديق ثلاثة أرباع ما يخاطبون الناس به، نعيش في عالم ننكر فيه موت الحليف ونصفق لموت العدو، لا أحد يرى مأساة في أننا نقرأ التاريخ قراءة المضطر ولا نقرأه قراءة تبحث عن بداية اللغط الذي نتمرمغ فيه منذ قرون، دينا الرقاصة أثبتت تعلقا وإيمانا بالله يفوق الموجود لدى معظم المصلين والمصليات والصائمين والصائمات والمستورين والمستورات والحافظين فروجهم والحافظات، أربعة ونصف من كل خمسة أفراد في هذا العالم لديهم من يتولى مهمة التفكير واتخاذ القرارات في حياتهم، الحروب أصبحت موضوعا نستثير به حالة من الضحك الهستيري غير المتوقف، القادة والزعماء في كتب التاريخ معظمهم مجرموا حرب وضعيفوا استيعاب ومعدوموا ضمير وأخلاق، لم يتفتق ذهن أي باحث اجتماعي عن أن هناك مشكلة ما في المجتمع الذي يريد كل أطفاله أن يصبحوا أطباء إذا كبروا، معظم أناسي القرن الحادي والعشرين يعطون الشحات من مالهم لأنهم يستطيعون إعطاءه وقليلون يعطونه لأنه يحتاج عطاءهم، نهرب جميعا من العاقبة الأخلاقية في الدنيا بفعل الطيب في الناس وننتظرهم أن يعاملونا بالمثل وندعي الإيمان جميعا وقليلون يحسبون حساب يوم ترد فيه المظالم، نضحك على أنفسنا بادعائنا أننا موحدون وثلاثة أرباعنا لا يمنعهم من غرز سكين في أفئدتهم سوى أن المنتحر في النار التي تراودهم أنفسهم عن التصديق بوجودها والربع الباقي فقط لم ينتحر لأنه لم يقدم ما يضمن له الجنة، نخاف أن يجرحنا البشر ولا نخاف من جرحهم ونحن نصرح أمامهم أننا نخاف جرحهم، ننظر لأنفسنا في المرآة كل يوم وربما لا نجد حرجا في تأمل وجوهنا التي عاف عليها الزمن ونغسلها بماء لو يملك أن يتلون بما أصابنا لاسود ومع ذلك لا نفعل سوى التفكير في أن نتغير وقليلون يغسلون قلوبهم وأدمغتهم من وسخ ما حل بها، لا مشاكل لدينا إزاء الكراهية لكن المحبة أمر عظيم نتردد كثيرا قبل التصريح به ونحسب له ألف حساب إذا ما قررنا إهداء قلوبنا متجاهلين أن المحبة إن كانت تتلخص في إهداء قلبنا لمن نحب فالكراهية تتلخص في حرمان أنفسنا من مساحة في قلبنا لأن نحب آخرين، نأكل نشرب ننام نقوم نتعلم في منظومات بيروقراطية أمضى معظمنا عمره يلعن مخترعيها ونستمع لمتحدثين كل وظيفتهم ترجمة فكر الأوغاد الكبار الذين يسيطرون على العالم ولكننا نصرح علنا دون استحياء بأننا أحرار! لا وصاية لأحد علينا!

انفعل، تأثر قليلا بالكلام، أطلق العنان للشعر المتناثر على جسدك لأن يصاب بالقشعريرة، أغلق نافذة المتصفح وأكمل كما كنت، كما أنت! عظيم أنت! متفرد متميز واحد في وسط مليون أنت!
حر.... لا قطعا ليس أنت!

Sunday 24 February 2013

سكون المسافاتْ


أظن أن البشر سيعيشون وسيموتون وهم لم يتمكنوا بعد من فهم أنفسهم ذاتَ أنفسهم، محاولة فهم البشر ومحاولة التعامل معاهم بما يرضيهم ومحاولاتنا الشاقة والمستمرة لأن نجدهم فينا، كلها محاولات في الغالب ستؤول للفشل.
لكن... في محاولة ضعيفة مني لفهم المشكلة وجدتني أَشُدُّ شعري وأرج جمجمتي كالمجانين، لا يمكنني أن أفهم المشكلة أصلا فحاولت أن أفهم الحل، هنا اجتمعت أفكاري على فكرة واحدة! هنا قررت أن أكتب في حلٍّ محوري موضوعي منطقي لكل المشاكل التي تحدث بين البشر تقريبا، تلك المشاكل التي تجعل كل طرف في علاقة ما يقف بعيدا مشاهدا بينما هو سيموت في سبيل الحصول على تفسير لهذه المسافة الشاسعة بينه وبين الطرف الآخر بينما كان يقف يوما ما وكتفه بكتفه.
إنه المصارحة!

أن تمسك بالطرف الآخر، تكلف نفسك وتمشي نحوه هذه المسافة التي خلقها البعد، لا لشيء إلا لكرهك للبعد والمسافات، أنن تتجه بكُلِّكَ نحوه لتسأل: خير؟! مالك؟
لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لفهم ما خلق المسافة، قد تتساءل كما سأتساءل: ولم لا يسأل هو؟! لا أعرف لكن يجدر بك أن تسأل إن كنت تهتم أصلا! لأن البعد ليس شيئا جيدا وهو على الأرجح يشغله كما يشغلك، فحاول على الأقل أن تريح نفسك وترتاح من ما يشغلها!

 لأن المسافات لا تقتل فقط العلاقات بيننا وبين البشر بل تساهم في قتل مشاعر داخلنا قد نفقدها تماما مع الزمن ونصل في يوم ما لنجد أنفسنا قابعين في ركن ما نعتزل فيه العالم كله ونتظاهر بعدد الاكتراث بالبشر وفي قرارة أنفسنا لا يمكننا أن نقتنع أن هذا حقيقي، وفي الواقع أصلا لا يمكننا أن نعيش أصلا دون أن نكترث بالبشر.
لا يمكننا كآدميين أن نعيش دون اتصال دائم، تتفاوت درجات حبنا لهذا الاتصال والمداومة عليه بتفاوت محبتنا لكل ممن نتصل بهم، المهم أن الاتصال ضرورة وكَنَّ المشاعر للبشر ضرورة، والإيمان بأن هناك من يمكننا الاعتماد عليه ضرورة كالماء والهواء لا غنى عنهم بالمرة!
لا غنى عن الناس!!

Friday 25 January 2013

الوطن

الكلبُ حيوانٌ وفيٌّ لا يتعلقُ بالمكان بل بالإنسان، أكرِم كلبا في يوم ولن ينسى كرمك. القطط من جانب آخر هي مضرب المثل المصري الشهير "زي القطط ياكل وينكر" وهي في الواقع رغم كونها حيواناتٍ لطيفة أليفة ظريفة إلا أنها لا تتعلق بشيء غير المكان، قطتكم ما زالت أليفة لأنكم تطعمونها وتسقونها وتأوونها، توقفوا عن ذلك يوما وأعيدوا البحث عن قطتكم ولن تجدوها.
وطن الكلب إذا إنسان، وطن القطة مكان، ما وطن بني آدم إذًا؟!

أغلب ظني أنه "إنكان" أقصد بالكلمة أنه خليط بين الاثنين، ليست الأرض محل ولعنا وشغفنا وعشقنا، قطعا ليست الجدران ولا الشوارع ولا الحارات، إنها هذه الأبعاد بمن فيها من أرواح، أوطاننا في محل البقال في آخر الشارع، ليس لأنه محل وحسب بل لأن به السيد البقال، أوطاننا في مدارسنا التي لعبنا فيها وقطعنا الكتب في أيام الطيش والتفاهة، المستشفيات التي شممنا فيها رائحة الدواء أول مرة، المساجد التي عطرناها برائحة عرقنا ونحن نصلي المغرب بعد أن فرغنا من مباراة بعد العصر، أعمدة الإنارة، محل الحلاق، دكان الخردوات، الشارع الذي كنا نرص فيه الحجارة التي كنا نعبر بها عن المرمى الأولمبي ذي المقاييس الدقيقة "خمسة خطوات بين كل طوبة والأخرى"، الشارع الذي ترنحنا فيه بالدراجة في أيام تعليمنا الأولى وسقطنا على وجوهنا فيه، قد يكون المكان الذي اعتدت على الاختباء فيه من أعين رجال الحي وأنت تدخن حتى لا يصل الخبر لوالدك، وقد يكون أيضا المكان الذي لمحت فيه بنت الجيران أول مرة وبدأت قصة عشقك الأولى، لا عيب في أن يكون المكان الذي مارست فيه أحد طقوس الشقاوة القديمة بدءً من رمي للبيض على السيارات وانتهاء بالإشارة لسيارات الأجرة كي تسأل السائق عن الساعة، ربما يكون حيث حصلت على موافقة والدك لأن تقود سيارته، وربما أيضا يكون حيث قدتها دون علمه أول مرة، انظر له كيفما شئت فهو مواقف كثيرة وذكريات كثيرةٌ كَثيرةٌ كَثيرة.
الفكرة أنه ليس تلك الحدود السياسية التي ينادي بها سياسي القرن الحادي والعشرين في دعاوي التفرقة العنصرية الشائعة في هذا القرن الكئيب، بل هو الأماكن التي تختلط بها صور البشر ورائحتهم، لأن الوطن إن أمعنت النظر في مفرداته لن تجده قابعا في غرفة نومك بجدرانها العتيقة وبابها الرث وسريرك الرطب، لكنك ستجده إن أرجعت البصر كرتين تبحث عن الوجوه التي وردت على هذه الغرفة والمكالمات التي استقبلتها فيها والحروب الضروس التي دارت بينك وبين أهلك وكان باب الغرفة حائلا بين ما أنهيت به نزالك، هذا هو الوطن هذه الأماكن الدافئة التي تحمل في كل جزيءٍ منها ذكرياتك مرها وحلوها والأشخاص الذين كبرت وكبروا معك والعادات التي شِبتَ عليها وما سوى هذا هو الغربة.
متعكم الله بحلو أوطانكم J

Sunday 20 January 2013

فلسفة ليست فلسفية كما يجب!

إن هذا المقال لا يمكنني أن أصل لاسم له، فضلا عن أن أجد له غرضا، إنه مقال أكتبه لي وللزمن!

أتعرف مالمشكلة؟! المشكلة أنك لا تزال مؤمنا أن هناك ما يسمى "قلب" وتصر مع الكثير من البشر على أنه كيان قائم بذاته تدور بينه وبين العقل حروب ضروس جراء كون هذا العقل يجبر العقل أن يحب ويأسف ويحزن ويعيش دهورا في ظلام الأسى الذي يتسبب فيه الفراق. 
هرمونات البشر تلعب دورا هاما في تصرفاتهم وأفعالهم، لا أعني بهذا أن الهرمونات هي التي تخوض هذه الحرب الشنعاء مع العقل، دعني أكمل لو سمحت ولا تقاطعني! هرمونات البشر، هرمون بسيط يفرزه جسدك كفيل بأن يبقى يومك ورديا جميلا صحوا أيا كانت الظروف المحيطة، هرمون آخر يأتي ومعه أيام غبراء عليك وعلى من تعرف بمجرد أن يأتي فقط، عوامل الطقس، قابلية أجهزتك الداخلية على العمل بشكل سليم، أول شيء رأيته في صباح، كيف استيقظت، لم استيقظت، أي نوعٍ من الأخبار تنتظر، من أيقظك، كيف خلدت للنوم، مالذي راودك في منامك، وماذا فعلت أخيرا قبل أن تنام وغيرها من عوامل قد تهمل أهميتها هي التي تتسبب في كون الناس سعيدين منتشين بهرمون السعادة في أحيان، وغارقين في هرمون النكد في أحيان أخرى كثيرة في هذا الزمن.
إليك واحدة من المشاكل، البشر منشغلون جدا في التعليق على الحرب التي يزعمون قيامها بين قلوبهم وعقولهم، مهملين ما يحدث حقا داخل كيمياء عقولهم وبالتالي لا يتمكنون من إيجاد أس المشكلة الشيء الذي يجعلهم يتسببون في مشاكل مع البشر الآخرين ويتسبب آخيرا إلى إجبارهم على عدم التماس الأعذار لمن يخالطون في المجتمع. 
إليك مشكلة أخرى، لا يمكنك أن تكسب كل الناس وإلا ستخسر نفسك، المشكلة الأعظم في هذه المسألة أنك كي تكسب نفسك ستضطر لخسارة كثيرين في مشوار عمرك لدرجة أنك ستشك في أحيانٍ أن هناك أملا ولو طفيفا لأن تكسب أحدا بجانب هذا الأحد الكامن داخلك! هذا لا يجعل الحياة صعبة، لا يجعل البشر أوغادا، لا يجعل البرد قارسا، ولا يجعل الآيفون فايف بشريحتين وكرت ميموري هدية، لكنه يجعلك هشًّا إن استمريت على هذا المنوال الذي تنعي فيه حياتك ورفاقك ودنيتك ولم تعش بكل خلية فيك بصدر مفتوح للدنيا. البشر ليسوا كما تنعيهم، لكنهم قطعا وحتما وبلا شك كما تنشدهم، كما تبحث عنهم وكما تتحرى الجميل فيهم، أو على الأقل معظمهم كذلك، نعم معظمهم وإن كان لديك اعتراض فعلى الأرجح أنت الذي كنت منشغلا بالبحث عن الدرر في القمائم.

هناك أزمة سببتها الرياضيات كونها قالت أن واحد زائد واحد يساوي إثنان! حين فهم البشر الرياضيات وتشربوا أن المعطيات تؤدي بنا للوصول لمعرفة المجهول ورأوا أن المعادلات من الدرجة الثالثة والمعادلات ذات المجاهيل الثلاثة قابلة للحل ظنوا للأسف أن كل المعادلات قابلة للحل، فتوقفوا عن الحياة بحثا عن الصواب أو بحثا عن القوت أو بحثا عن السعادة وبدأوا يعيشون بحثا عن الحل! وما لا يعرفونه هو أنه لاحل! لأن  الواقع أن واحد زائد واحد تساوي واحد، اثنان زائد ثلاثة تساوي عشرة، واحد زائد صفر تساوي صفر! 

الصواب ليس رأيك، ليس رأيي، ليس هداك وليس هداي، وهو بالقطع والجزم ليس رأي إنسان غيرنا،، الصواب غاية نبحث عنها، هو الإبرة في كومة القش، الشعرة في الطحين، الكامل ابن الكامل ابن الكاملة في كومة البشر، هو المستحيل الذي لم يقل يوما لأحدٍ أنه يعيش في أحلام العاجز، هو الهواء الذي تتنفسه ولا تلمسه، هو الهرمون الذي تفرزه دقات قلبك وأنت على وشك أن تسرق، تكذب، تنتحر!! هو الغاية! ليس غاية، الغاية! التي يبحث البشر عنها كل يوم وكل صباح، كل البشر فيما بينهم الوغد الذي سرق حقيبتك والحقير الذي انتشل هاتفك، والمحترم الذي سبك يوما بالأب والأم! كل البشر! ولا مجال لمعرفة إن وصلنا للغاية هذه على الأقل في هذه الحياة.

الوحدة قذرة! الوحدة هي الشبح الذي ما إن نكون صداقة معه نكون قد دخلنا في بحر الظلمات، الوحدة هي الشيء الذي يجب أن تتجنبه وتعمل على تجنيب الناس إياه، الوحدة هي ما يجدر بك أن تنظر لأصحابها وتأسف وربما تبكي أسفا وحزنا عليهم، لو أن هناك شيئا واحدا عليك أن تخافه وتركض بكل ما آتاك الله من قوة حتى تموت هربا منه فهذا الشيء ليس إلا الوحدة!

لن تخسر شيئا إن أحببت كل من ابتسم لك، ستخسر الكثير إن كرهتهم أو توجست منهم خيفة، لن تخسر إن صمت، ستخسر أحيانا إن نطقت، لن تخسر إن فهمت، حتما ستخسر إن جهلت، لن تخسر إن قمت من نومك مبتسما، ستخسر الكثير إن لم تقم، ولن تخسر شيئا إن صدقت مع نفسك لكنك ستخسر كل شيء إن لم تفعل.

لا معادلة واضحة يمكن حل الدنيا عن طريقها، لذلك خض غمار التجربة ولا تشغل نفسك بالمجهولات. انشغل بمن أحبك لا تنشغل بمن كرهك، انشغل باليوم لا تنشغل بالأمس والغد، انشغل بمن يتواصل معك ولا تنشغل بمن هجرك، انشغل بأصدقائك ولا تنشغل بأعداءك، انشغل بما استفدته من كل ما قلته وأرجوك!! لا تشغل نفسك بلماذا قلته! 


Monday 14 January 2013

الإعلامي ذو الكوة

لا أعلم ما الذي دفع أحد إعلاميينا الكبار بأن يبادر بالحديث عن كوته التي لا مثيل لها، لم أستطع أن أتمالك نفسي وأنا أسمعه يقول: إعلاميين مصر معروفين بكوتهم! وأكمل حلقته يحدثنا عن هذه الكوة الخفية، اعتدل في جلسته ونصب قامته ثم بادر بالحديث عن كوة الإعلام المصري التي لم تتغير ولم تتنحنح ولم تتزحزح ولم نرَ لها مثيلا من قبل. ثم تحدث عن ماسبيرو الذي نشأ فيه وترعرع وتحدث أنه تربى على الكوة في ماسبيرو وبدأ فيها.. وعلى الأرجح أنه ينتمي لكوة ماسبيرو هذه.

إنه إعلامي مشهور لسانه سليط، لا يخشى إلا الله -كما يقول-، لم يجد حرجا في دفاعه عن الدكتور أحمد زويل- في أن يستشهد بآية قرآنية ويحرفها قائلا: (إنما يَخشى اللهُ من عبادِه العلماءِ) وإحقاقا لقول الحق أذكر الصواب وهو: ((إنما يُخشى اللهُ من عباده)) فالله يُخشى ولا يَخشى أحدا، إن هذا الإعلامي المتسم بيد لطالما "شوحت" للرئيس الحالي وسبحت بحمد الرئيس السابق هو إعلامي ذو كلمةٍ مسموعة لطالما أجادت استعمال كلماتٍ من عينة: الشفكة، الكدرة، الزباب، والكوة التي لو عرف ما ترمز إليه لألزمها فراشها ولما حركها مرة أخرى!

لقد تفشى في إعلامنا المصري إعلاميون لا يعرفون مخارج الحروف العربية فأدخلونا في بحار الظلمات ولم يوجدوا لنا مخرجا، إعلاميون رفعوا المجرور رافعين معه ضغط دمائنا ونصبوا علينا بنصبهم للفاعل فأمسينا جميعا مفعولا بنا وبلغتنا التي لا نملك غيرها معبرا عن هويتنا في زمنٍ تكالبت علينا فيه الأمم. فمتى يا ترى نجد إعلاميا يرفع همتنا بلغة قويمة، وينصب قامتنا بهمة عظيمة، ويجر الضعاف منا جرًّا نحو صلاح البلادة بنية صافية سليمة؟!

وأجيب على هذا التساؤل بأن أقول: قريبا! قريبا جدا! 

Thursday 10 January 2013

اثنين صغيرة فوق

في الصف الثالث الثانوي طلب معلم الرياضيات من أحد الطلاب في فصلي أن يقوم بإملاء معادلة رياضية من الكتاب عليه، قام الولد ولم يكذب خبرا وبدأ بإملاء المعادلة للأستاذ الذي بدأ يكتب وراء الطالب الذي قال بالنص: سين،، اثنين صغيرة فوق!! لم يكن بحاجة لأن يقول (إكس معووجة) كإشارة لعلامة الجمع لكي يتوقف الأستاذ عن الكتابة ويبادر بإلقاء محاضرة طويلة عريضة حول (كيف جئت للمرحلة الثانوية وأنت لا تعرف الأس؟) محاضرة أذكر وبوضوحٍ استمرارها للنصف ساعة المتبقية من الحصة والتي صب فيها الأستاذ جام غضبه على هذا الطالب المغلوب على أمره.
إن وجود طالب في المرحلة الثانوية لا يعرف معلومة كهذه فضلا عن العاهات الأخرى التي لا تخفى عليك عزيزي القارئ؛ أمثال من لا يقرؤون ومن يكتبون بخطوط هيروغليفية- وجودهم لا يجعل المشكلة فيهم أو في ذويهم أو في اللغة العربية أو الرياضيات مثلا، بل يجب أن يقف كل ذي عقلٍ رشيدٍ أمام هذه الطفرات الجينية -التي باتت أكثر من السويين في مجتمعنا- ويقول من جاء بهم لهنا أصلا؟! من أخرجهم من الصف الأول فالثاني فالثالث فالرابع فالثالث الثانوي؟ ابحث قليلا!! اعصر عقلك! نعم!! استمر في بوتقة هذه الفكرة! تكاد تصل!
أحسنت!! إنه الغش الحلال! ليس هذا ما وصلت له؟ لا يهم.
الغش الحلال: هو ذلك المنطق الذي سمح لهم بأن يخرجوا الطلاب من منظومة يطلق عليها اسم (المنظومة التعليمية) وبهم نسبة لا تقل عن 80% لا يجيدون نصب المفعول به ولا يجيدون نطق الجيم والذال والقاف، ليخرج إلينا الإعلام لاحقا يقول ألفاظا من عينة: (الشفكة، الكدرة، الكوة) ولو درا أيٌّ من هؤلاء الإعلاميين عن المعنى الحقيقي لكلمة "كوة" لأجبرها على أن تلزم فراشها ولا تخرج للملأ مرة أخرى.
الغش الحلال الذي بسببه لا نتساوى إلا في التكوين ونكبر نحن على مياه الحنفية ويكبرون هم على المياه المعدنية والجريب فروت، فنصاب نحن بالسرطان وفايرس سي ويصابون هم بالنقرس وعرق النَّسَا ويقولون لنا لاحقا: تكافؤ الفرص!

إنني أتحدث عن الغش الذي يجعل مجتمعنا ممتلئا بالفقراء من ذوي الموهبة والعظماء مِن مَن لا يملكون سوى الواسطة والبلهاء متقلدي مقاليد السلطة والحقراء من ذوي حق إطالة ألسنتهم السليطة التي تأكل كما يأكل الثور من المرعى فلا ينفذ المرعى ولا يشبع الثور.. ولا يقل عدد الثيران!
هو نفسه الغش الذي يجعل بعضنا يتقبلون أن يقبعوا لسنين وسنين في مواضعٍ غير مواضعهم مراقبين من بعيدٍ أوغادا يأخذون مواقعهم تلك، الذي يجعلهم يتقبلون أن يقوموا يوميا من على أسرتهم الرثة ليرتدوا ملابسًا رثة ليجلسوا على كرسي رث ويقوموا بممارسة وظيفة لا قبل لهم بها ويقولون كل يوم أنهم ذاهبون "للشغل"، إنه ذاك الغش الذي يجعلك ترضى بالقفا خلفه القفا، خلفه القفا، خلفه القفا وتستمر في ترديد: بس الغش حرام!!
أربطت الفرس يا صديقي؟ أفهمت ما أتحدث عنه؟!
إن لم تفهم فأنت الغشاش، وأنا رغم كل السواد الذي مارسته في حياتي لم أقترب من عظمة غشك، مع مراعاة أني غشاش قديم بمعاييرك.

تصبح على غش ككل يوم من حياتك!