Monday 20 May 2013

أنا فعلتها (قصة قصيرة بس مش أوي)

أعرف قصة!!
عن أصدقاء ثلاثة قرروا تغيير العالم، كانوا قبل اتخاذ قرارهم هذا يعملون في مصنع مديره رجل مستبد فاشي لا يمتلك أدنى درجات الشعور ببني آدم من حوله! 
في يوم ماطر لم تطلع له شمس دعا المدير الكريه موظفيه لمحاضرة إجبارية سيتحدث فضيلته فيها عن مقومات النجاح وعوامله، المحاضر بالطبع لم يكن غير المدير والمستمعون لم يكونوا أحدا غير الموظفين المغلوبين على أمرهم، جلس المدير يثرثر لثلاث ساعات عن كيف نجح وكيف أصبح ما هو عليه اليوم وبدأ يتحدث عن بطولاته يوم أن كان عمدة البلدة التي تمخضت عن عبقريته، تحدث واصفا مشهدا أسطوريا يمسك فيه بما أسماه: طبنجة، أطلق منها طلقتين في الهواء وهو يفض نزاعا كان دائرا بين قبيلتين لعقود متصلة، عقب طلقتيه المباركتين، ادعى سماحته أنه دعى القبيلتين في منزله المتواضع وقام بحنكته وحكمته البليغة بفض النزاع الذي كان علة كل مصيبة وكارثة تحدث بالبلدة! وعقب أن انتهى من سرد قصته نظر لجمهوره الصامت بابتسامة صفراء قال بها أنه أعلى، أقوى، أذكى، أدهى،


أشرف وأعز من كل هؤلاء الكادحين الماثلين أمامه! لحظات من الصمت سادت وهو مازال مبتسما ويهز رأسه بزهو بالغ! 
فجأة... هتف أحد الكادحين من الصفوف الخلفية: ثم استيقظت من نومي! 
استغرق الأمر بضع ثوان حتى أدرك المدير -الذي لم يكن قد توقف بعد عن هز رأسه وفتح فمه على مصراعيه- أن ما سمعه هو استهزاء وسخرية بواح! قام غاضبا من على كرسيه الفاره وصرخ في الحاضرين أمامه: من قال هذا؟! 
تلفت الجميع يمنة ويسرة، منتظرين اعتذارا ربما أو أي علامة انكسار يعبر بها الهاتف هذا عن أنه أصيب بخلل عقلي وهو يهتف بما هتف به! 
لكن يبدو أن الأدرينالين كان قد تمكن منه، لم يتطلب الأمر الكثير من الوقت حتى وقف أحدهم هاتفا بصوت أعلى هذه المرة: أنا!! تأمله الجميع،، أربعيني المصنع كله يعرفه، يداه نحيلتان، ليس أبيضا ولا يمكنك الجزم بسمرته، شعره قصير، وجهه مثلث تبدو من جلده عظام جمجمته، ظهره قائم لا انحناء فيه، عيناه جاحظتان،،، أنا قلت هذا! كسر بكلمته الصمت وأسمع السكون صوتا مختلفا عن صوت المدير الذي يبدو أنه لم يتعب من الساعات الثلاث التي قضاها يثرثر لأنه لم يجد حرجا في هز وقاره المزيف بإطلاقه قهقهة ضخمة وهو يشير للهاتف وينظر للموظفين في إشارة منه أن اضحكوا معي! ها ها ها! توقف بعد ثوان حين اكتشف أن الأمر ليس مضحكا! الجميع يريدون معرفة ما حل بعقل النحيل هذا! كلهم سئموا ترهات السمين صاحب الحلة الفارهة التي ثمنها على الأرجح يكفل لصاحبنا مستقيم الظهر طعام ألف سنة مما هو وأهله يعدون! 
عاود النحيل يهتف بغرور بليغ: نعم أنا! قالها وهو يعبث بشاربه الخفيف، غروره البليغ أعجز لسان المغرور المبالغ الذي نظر لساعته الذهبية المتدلية من جيبه وهم بأن يقول شيئا ما، إلا أن صوتا جديدا قاطعه: أنت كاذب! أنا قلتها! صاحب الصوت كان يخاطب صاحبنا النحيل ووقف هذا الوجه الجديد ليعرف الجميع بنفسه، ولينظر الجميع لصاحبهم الأول الذي لم يحرك ساكنا، تظاهر المدير بعدم اكتراثه بما يسمعه واستمر في تأمل ساعته وكأنه يحسب الأيام المتبقية حتى تقوم القيامة، إلا أن صوتا آخر جذب اهتمامه، الصوت لم يأت بجديد كل ما قاله كان: بل أنا من قلتها!! 
المدير الذي سقطت ساعتها من يده بدأ يتراجع ليعود لكرسيه في محاولة منه لملك زمام الأمور التي شعر أنها بدات تتصاعد لتصبح فوضوية وهو يسمع همهمات الموظفين تتعالى والضحك باد من كل جانب ومثار الضحك واضح أنه المدير لا أحد غيره! 
أنتم الثلاثة مطرودون! دعونا نرى من سيمضي حياته يحلم! 
كان هذا ما تفتق ذهن المدير عنه ردا على ما قيل وردعا لما قد يصير، لكنه لم يحسب حساب أن الجملة كانت مكونة من أربعة كلمات ويبدو أن الذي قام رابعا كان هو الذي نال شرف قول الكلمة الأخيرة! لأنه هتف بصوت ليس بعيدا عن الأصوات الأولى: أنا أيضا قلتها! 
تعالت الضحكات الهستيرية، جبهة المدير تعرقت وريقه كاد يجف لولا بعض قطرات العرق التي تسللت لداخل فمه، هم بأن يطالب بالنظام في قاعته! أصوات كثيرة وقفت له بالمرصاد! بل أنا! لا أنا! أنا أيضا! عدوني معكم! كل من في القاعة وقفوا تقريبا! 
كلهم وقفوا أخيرا ليشهدوا ارتجاف المستبد الذي لطالما سلب حقوقهم، حرمهم من إمضاء وقت إضافي مع أطفالهم، أذلهم بالراتب السخيف الذي يعطيهم إياه كل شهر، أسال لعابهم بالطعام الذي لم يخجل يوما من تناوله أمامهم وهم يفحتون في أعمالهم، علت وجوههم ابتسامة لم تختلف عن تلك التي رسمها على وجهه وهو يتبوء منزلة ليست له فوقهم، ساد الصمت قليلا إلى أن هتف هاتف: علاوة! إجازات أكثر! ساعات راحة! 
لم يبد الجميع اعتراضا، مازالوا واقفين ينظرون بعلو للمدير الذي بات لأول مرة مغلوبا على أمره، نظر لهم في انكسار، منظرهم مهيب! 
تنحنح وبلع ريقه ورفع عينه لهم وقال بصوت خافت: لكم ما طلبتم! 
لم يكترث بلملمة بقايا ساعته المحطمة، أسرع خارجا من باب القاعة التي كانت باردة منذ دقائق، هرول لمكتبه، الموظفون تبادلوا التهاني وهم يخرجون من نفس القاعة ولكن برؤوس مرفوعة وابتسامة تعلو محياهم! 
الساعة لم تجد من يلملمها، ورغم تناثر زجاجها حولها لم تتوقف: تيك توك تيك توك!!

1 comment: