Thursday 10 January 2013

اثنين صغيرة فوق

في الصف الثالث الثانوي طلب معلم الرياضيات من أحد الطلاب في فصلي أن يقوم بإملاء معادلة رياضية من الكتاب عليه، قام الولد ولم يكذب خبرا وبدأ بإملاء المعادلة للأستاذ الذي بدأ يكتب وراء الطالب الذي قال بالنص: سين،، اثنين صغيرة فوق!! لم يكن بحاجة لأن يقول (إكس معووجة) كإشارة لعلامة الجمع لكي يتوقف الأستاذ عن الكتابة ويبادر بإلقاء محاضرة طويلة عريضة حول (كيف جئت للمرحلة الثانوية وأنت لا تعرف الأس؟) محاضرة أذكر وبوضوحٍ استمرارها للنصف ساعة المتبقية من الحصة والتي صب فيها الأستاذ جام غضبه على هذا الطالب المغلوب على أمره.
إن وجود طالب في المرحلة الثانوية لا يعرف معلومة كهذه فضلا عن العاهات الأخرى التي لا تخفى عليك عزيزي القارئ؛ أمثال من لا يقرؤون ومن يكتبون بخطوط هيروغليفية- وجودهم لا يجعل المشكلة فيهم أو في ذويهم أو في اللغة العربية أو الرياضيات مثلا، بل يجب أن يقف كل ذي عقلٍ رشيدٍ أمام هذه الطفرات الجينية -التي باتت أكثر من السويين في مجتمعنا- ويقول من جاء بهم لهنا أصلا؟! من أخرجهم من الصف الأول فالثاني فالثالث فالرابع فالثالث الثانوي؟ ابحث قليلا!! اعصر عقلك! نعم!! استمر في بوتقة هذه الفكرة! تكاد تصل!
أحسنت!! إنه الغش الحلال! ليس هذا ما وصلت له؟ لا يهم.
الغش الحلال: هو ذلك المنطق الذي سمح لهم بأن يخرجوا الطلاب من منظومة يطلق عليها اسم (المنظومة التعليمية) وبهم نسبة لا تقل عن 80% لا يجيدون نصب المفعول به ولا يجيدون نطق الجيم والذال والقاف، ليخرج إلينا الإعلام لاحقا يقول ألفاظا من عينة: (الشفكة، الكدرة، الكوة) ولو درا أيٌّ من هؤلاء الإعلاميين عن المعنى الحقيقي لكلمة "كوة" لأجبرها على أن تلزم فراشها ولا تخرج للملأ مرة أخرى.
الغش الحلال الذي بسببه لا نتساوى إلا في التكوين ونكبر نحن على مياه الحنفية ويكبرون هم على المياه المعدنية والجريب فروت، فنصاب نحن بالسرطان وفايرس سي ويصابون هم بالنقرس وعرق النَّسَا ويقولون لنا لاحقا: تكافؤ الفرص!

إنني أتحدث عن الغش الذي يجعل مجتمعنا ممتلئا بالفقراء من ذوي الموهبة والعظماء مِن مَن لا يملكون سوى الواسطة والبلهاء متقلدي مقاليد السلطة والحقراء من ذوي حق إطالة ألسنتهم السليطة التي تأكل كما يأكل الثور من المرعى فلا ينفذ المرعى ولا يشبع الثور.. ولا يقل عدد الثيران!
هو نفسه الغش الذي يجعل بعضنا يتقبلون أن يقبعوا لسنين وسنين في مواضعٍ غير مواضعهم مراقبين من بعيدٍ أوغادا يأخذون مواقعهم تلك، الذي يجعلهم يتقبلون أن يقوموا يوميا من على أسرتهم الرثة ليرتدوا ملابسًا رثة ليجلسوا على كرسي رث ويقوموا بممارسة وظيفة لا قبل لهم بها ويقولون كل يوم أنهم ذاهبون "للشغل"، إنه ذاك الغش الذي يجعلك ترضى بالقفا خلفه القفا، خلفه القفا، خلفه القفا وتستمر في ترديد: بس الغش حرام!!
أربطت الفرس يا صديقي؟ أفهمت ما أتحدث عنه؟!
إن لم تفهم فأنت الغشاش، وأنا رغم كل السواد الذي مارسته في حياتي لم أقترب من عظمة غشك، مع مراعاة أني غشاش قديم بمعاييرك.

تصبح على غش ككل يوم من حياتك! 

No comments:

Post a Comment