Monday 29 October 2012

حين نتفق!

وأنا في الصف الأول الاعدادي ومراعاة لمشاعر من كنت في أرضهم سأقول "الأول المتوسط" أتانا معلم لغة إنجليزية لم يعجب معظمنا نظرا لأننا شعرنا بأنه "منفوخ علينا" كونه كان يمارس طقسا غريبا إذا قرر معاقبة تلميذٍ ما، فكان يستعير منديلا من أحد الطلاب ويقوم بشد أذن هذا الطالب الذي دعت أمه عليه! نوع من أنوع التعذيب النفسي وإشعار الطالب بأنه كريه لدرجة أن الأستاذ "النظيف" يمسك أذنه بمنديل بغض النظر عن حقيقة أن الأستاذ رغم نظافته هذه لم يصادف ووجدناه لا يشحت منديلا من الطلاب كنوع من أنواع المصداقية!
ليس هذا المهم! المهم أننا قررنا كطلاب فصل واحد بأن لا نقوم بإعطاءه منديل لو طلب، ولاقى الاقتراح استحسانا كبيرا، وفعلا فور دخول أستاذنا الموقر وبدء طقس العقاب لأحدهم سأل: مين معاه منديل؟! وكان أن لم يجب أحد، فتفضل هو بعبارته التي تنم عن عبقريته البحتة: كلكم وصخين ماحد معاه منديل؟! طيب مافي مشكلة! وبدأ يمارس أبشع طقس تعذيب شهدته عيوني اللي هياكلها الدود، أمسك بأطراف أكمام الولد وبدأ يجبره على تلطيش نفسه يمينا ويسارا بشكل مهين جدا، حتى توقف الولد وأخرج منديلا من جيبه وأعطاه للأستاذ ولكن! أكمل الأستاذ رحلة تلطيشه المهينة دون اكتراث بالمنديل!
بعد هذه الواقعة لم أتوقف عن طرح سؤالٍ مهم: لماذا حين اتفقنا اتفقنا على الرضوخ لوضع الإهانة هذا؟ بمعنى: ليه اتفقنا إننا منجيبش منديل رغم إننا ممكن نتفق منعملش حاجة تديه حق يتعرض لحد فينا؟!
حين أخذنا قرار عدم إعطائه منديلا إن سأل، كنا تجاوزنا التفكير في ما قبل طلب المنديل، الأفعال التي تؤدي بأحدنا للتعرض لشد الأذن مع مراعاة أني كبرت الآن ولا أراه محقا في كثير من حالات شد الأذن تلك! لماذا حين تتفق فئات كثيرة من الناس يكون الرضوخ للواقع جزءً من اتفاقها؟ فيبدو لنا غالبا أن هذا العامل المشترك إن لم يتواجد في محاولة اتفاق لما تعدت كونها محاولة!
ابحث في قراراتك الجماعية الأخيرة ستجدني محقا، وأرجوك ابحث معي عن إجابة خلال بحثك الأول! 
رغم كثرة الحوارات العربية، قليلٌ منها نخرج منه بنتيجة حقيقية يمكننا أن نعتبرها فعالة بالقدر الكافي لحل معظم أزماتنا! هل يمكنك أن تصدق أن حل دولة كالمملكة العربية السعودية لأزمة البطالة كان اعتماد نظام معقد جدا جدا جدا سُمِّيَ "حافز"؟ هل تصدق أن الدولة المصرية البائدة حين أرادت القضاء على الثورة أغلقت وسائل الاتصال؟ هل تصدق أننا صرحنا كعرب أن (يجب أن نبدأ بإجراءات السلام مع إسرائيل)؟ هل تصدق أن الأمة العربية حين قررت مساعدة الثورة السورية الشقيقة قامت بإنشاء الملاجئ وإرسال معونات طعام؟ هل تصدق أننا ما زلنا كعرب نعيش على هذا الكوكب ونسمي أنفسنا (أمة) واقتصادنا هو أكثر اقتصادات العالم انخفاضا بينما دول لا تملك نصف مواردنا تملك أقوى عملة في العالم؟ 
الأسئلة كثيرة والقائمة طويلة والسبب مجهول! كيف تخطينا المهم والأهم لننتقل لما ليس له فائدة خالص مالص؟! كيف قررنا أن الطالب العربي يحتاج لدراسة التركيب الصخري لحجر الرخام ولا يحتاج لدراسة الحرب العالمية الأولى والثانية؟ 
يبدو لي أنها مجموعة فراغات في أدمغة من يفكرون بهذا المنطق تمنعهم من رؤية كافة الحقائق المختبئة خلف قراراتهم العبقرية!
لاحقا في العام الدراسي تفضل أستاذنا بأغبى طلب سمعته في حياتي: إذا كتبت الـ"q" بهذا الشكل أبغاك تحط خط تحتها عشان تميزها عن الـ"p". واكتفينا بهز رؤوسنا أنْ "حاضِر" ولم يعلق أحدنا على هذا الموضوع طوال العام.

تصبحوا على خير!

No comments:

Post a Comment