Tuesday 23 October 2012

خرية سغيرة!

طبعا يا عبد المجيد! العالم أصبح كما تقولون "خرية سغيرة".
كانت هذه الكلمات التي رد بها صديقي يوسف الألماني ذو الأصل الفلسطيني بعد أن حدثته كيف أن أمي علمت بنتيجة قبولي في الجامعة قبلي وهي في منطقة زمنية مختلفة. تمنيت لو أنني حضرت أولى محاضرات الاجتماع قبل كلمة يوسف هذه حتى لا أكتفي بالضحك على نطقه لحرف القاف وأبدأ بإعلامه عن مدى سطحية المصطلح "قرية صغيرة"، بعد اكتشافي المذهل وهو أن العولمة ليست "جعل العالم قرية صغيرة" كما اعتاد عمرو أديب أن يقول وأن العولمة هذه هي هيمنة اقتصادية وسياسية قبل أي شيء، سألت نفسي سؤالا مهما جدا وهو: مالذي يدفع الإنسان لطلب الهيمنة؟ بمعنى آخر: ليه الناس كلها عايزة تتحكم في أكبر قدر ممكن من الناس؟
لم أتمكن من إيجاد الإجابة إلا في نفسي!
أنا وأنت عزيزي القارئ! كم مرة رأيت أن رأيك هو الأصلح وأن الكون لن يصلح إن لم يستمع الناس لرأيك ومشورتك؟ كم مرة وافقت على الرضوخ للرأي الآخر على مضض لأنك لم تقتنع بعد بأن هناك شخصا أفضل منك؟ كم مرة مارست ديكتاتوريتك على من هم أصغر منك سنا أو مكانا لأنك ترى بمقولة الأجداد القديمة "إحنا عارفين مصلحتك أحسن منك"؟ وكم مرة غضبت والمنطق نفسه يُستخدم ضدك؟
بمثل هذه الأشياء الصغيرة التي قد لا نلتفت لها نتحول من متحاورين إلى متحاربين وتقودنا الحرب إلى إلى منفصلين ومن منفصلين بدعوى "الزعل" تتكون لدينا هذه الآفة التي عاثت في كوكبنا فسادا .. الحروب! الحروب التي لم تتوقف يوما ولكنها تحولت من المفهوم العام للغزو الذي يحتوي على دبابات وأسلحة ثقيلة تذهب بالدماء، إلى آلات صغيرة تدخل لكل بيت لتبث المفيد بكل تأكيد لكنها تبث أيضا ما يذهب بالعقل، ما يجعلك تنظر لحضارة من الأفلام الهوليودية فتقول أنت: نفسي أعيش في أمريكا! وأنت لا تعلم عن أمريكا غير السفاسف التي شاهدت في أفلام أمريكا ويخفى عليك ارتفاع معدل الجريمة بشكل بشع فيها وارتفاع معدلات الاغتصاب "يعني عندهم ناس بتتحرش برضه أهه" وارتفاع معدل الفقر وارتفاع معدل الغير راضيين عن أداء وطنهم تجاههم، فتصدق عمرو أديب إذا قال: يا جماعة الكلام ده مش بيحصل في حتة في العالم غير عندنا! وبالتالي ستؤيد إعلاميين الدَّرَبُكَّةِ وهم يقولون: ما كل بلاد العالم فيها ناس بتلبس كدة وأصْخَم من كدة ومبنشوفش الحاجات دي غير عندنا! وسنستمر في تصديقهم وهم يتحدثون عن البرلمان: إشمعنا إحنا من بين دول العالم مش عارفين نكون برلمان مزبوط!؟ رغم أن برلماننا عشرة على عشرة! 
هذا الغزو الفكري إضافة إلى الجهل المتفشي في مجتمعنا أدى لأن نصل لأن يكون لدينا مرشحوا رآسة بزيت وسكر وآخرين بالبطانيات والمخدات وغيرهم بـ200 جنيه! وأنا هنا لا أساند نظرية المؤامرة إطلاقا فأنا من أعداءها أصلا لأنها تؤصل كره الآخر واعتباره طرف دخيل يريد العبث بالمجتمع وهذا سلوك غير إنساني وغير إسلامي! ولأن حكوماتنا العربية تتسم بالشفافية والوضوح والمصداقية التي تعلمون فقد ملأت رؤوسنا بهذه النظرية منذ الطفولة وحتى الفحولة والواقع المرير الذي ستدركه بنظرة حولك أن المتآمرين علينا هم الآمرون علينا.
الوعي والتوعية وحدهما إن انتشرا في العالم بالشكل الصحيح سيتحول مفهوم العولمة ليصبح "قرية صغيرة" بحق وإلا فإن صديقي يوسف لم يخطئ حين قال ما قال!

مساء الفل!

No comments:

Post a Comment