أريد وضع
يدي الصغيرتين على الحقبة التاريخية التي انتقل فيها شهر رمضان من شهر الصيام
لشهرٍ تشيع فيه فاحشة الشره بشكل مبالغ فيه، ليكون أنسب مكان لاقتباس عبارة عادل
إمام في مسرحية الواد سيد الشغال: يعني ناس عندها لحمة، تعزم ناس عندها لحمة، عشان
ياكلوا لحمة؟! أشياء جميلة تحدث لدينا يا رجل!!
رمضاننا
كمسلمين هذا العام لم يختلف عن الأعوام السابقة كثيرا، إعلانات الطعام تملؤ
جدراننا وتلفزيوناتنا، التخفيضات على العطور بلغت أشدها، المغنيات والممثلات
أرهقهن الحر الشديد ولم يجدوا سبيلا دون الخروج علينا بملابس أخواتهن الصغيرات، جوامعنا
امتلأت عن آخرها بمصلين يركعون ويسجدون وسياراتهم تسد شارعا عاما وهي تقف وقوفها
مخالفا للقوانين الوضعية التي لا علاقة لها بالجنة والنار التي نتطرق إليهما في كل
دعاء، ولا ننسى البطل القومي لكل رمضان، الخلاف العبقري الذي لا يمكننا أن نشعر
بطعم رمضان دونه، الطفرة الجينية التي لا يخلو منها مجتمع.. الرجل الذي يسأل في
برنامج الفتاوي الرمضانية في كل رمضان نفس السؤال: يا شيخ هل معجون الأسنان يفطر؟!
ما لا
ندركه كمسلمين أن معجون الأسنان وإن بلعناه بلعًا لن يكون سببا في جرح صيامنا أو
إهداره بقدر ما ستكون معظم أعمالنا سببا في ذلك، كعربات التسوق الممتلئة عن بكرة
أبيها ونحن خارجون من الأسواق أمام الفقراء ممن لا يجدون خُمس ما نأكله، أو كالمسبات
واللعنات التي لا يجد معظمنا بُدًّا من توزيعها كل يوم كونه يملك رخصة أنه
"صايم وواصلة معاه لهنا"، أو كما يفعل اكتشافنا العبقري الأخير كعرب
والذي وجدنا فيه أن اختلافنا مع أمامنا يعطينا الحرية الكاملة في سبه وشتمه ولعنه
وتخوينه وتكفيره والتوطئ في بطنه بما لا يخالف شرع الله ولا يمس صيامنا الطاهر في
شيءٍ كوننا على صواب بينما من يخالفنا ليس سوا حشرةٍ لا تخاف الله رب العالمين
ويجب علينا أن نقوم بممارسة "الهَش" إزاء هذه الحشرة عن طريق سيالات السب واللعن تلك،
نُبدع نحن في خلق الخلاف من كل اختلاف!
رمضاناتنا أصبحت شهور طعام لا إطعام، وأصبح تناولنا فيها لما لذ وطاب مخيفا وغريبا لدرجة تدفع الأمم حولنا للتساؤل عما إن كنا نصوم هذا الشهر فقط أم نأكل في هذا الشهر فقط، مساجدنا وإن كانت تمتلئ بالمصلين كل صلاة إلا أنك لا تجد مجالا لإهمال حقيقة أننا لا نكف عن الدعاء دون عمل، لا تجد إماما يدعو الله أن نتوقف عن قطع الإشارات مثلا أو يدعو الله أن يدرك الجميع أهميه تفريش الأسنان بالفرشاة والمعجون، أو أن يفقه الآباء ثقافةً تجعلهم يربون أبناءهم على كف أذاهم عن الناس والاحتفاظ بذكرياتهم لأنفسهم وأن يرحموا جدراننا من خطوطهم الجميلة وكتاباتهم الحزينة.. كنت أتمنى فعلا من كل قلبي أن أجد إماما يدعو الله أن يتوقف المجتمع عن استخدام مبدأ زوجوه يعقل حتى تتوقف هذه الأجيال عن إخراج مسوخ أوادم لم تتعرض لهم يد التربية بتاتا إلا بجلب الحفائظ وزجاجات الحليب والألعاب التي ترفع نسبة الغباء التي هي مرتفعة جراء توصلنا لهذه الزيجات أصلا، لكن أئمتنا يرونه أولى أن يدعوا على الطاغية بشار وارتفاع الأسعار وظلم التجار، وأن يطلبوا من الله الجنة ويسألونه النجاة من النار، لا مشكلة، لعلنا ندرك يوما أن هذه بتلك.
المهم.. لكل
أولئك الذين صاموا وقاموا وجاهدوا أنفسهم في سبيل الله، ولكل أولئك الذين دخلوا
رمضان بأحجام آدمية وخرجوا منه ليعيدوا عهود الديناصورات، ولكل أولئك الذين
سيقولون بدءً من الغد: اللهم بلغنا رمضان! ولكل من سيرسلون رسائل التهنئة بالعيد
المحاطة بالزخرفات والكلام المسجوع ولكل أولئك الذين سيدفعهم تدينهم للدعاء على من
يختلفون معهم في ليلة القدر وفي كل ليلة من ليالي رمضان، لكم جميعا يا من أسلمتم
وجوهكم لله وأقمتم الصلاة وصمتم رمضان إيمانا واحتسابا، لكم أقول: كل رمضان وأنتم..
تأكلون ولا تشبعون، توعظون ولا تتعظون، تُفتنون وتستجيبون، تجتزؤون الكلام من آخره
وأوله ولا تتوسطون.. كل عام وأنتم... جائعون!!