المصريون
مشهورون بحبهم الشديد للمخلل! يمكنك أن تلمسَ هذا الحبَّ إن وقفت في الصباحِ بجانبِ
أيٍّ من محال الفول -التي لا أكثر منها في بلادنا- واستمعت للناس وهم يقولون (زود
المخلل الله يخليك). الرائحةُ النفاذةُ التي من شأنها أن تفتحَ شهيةً أغلقتها
ديكتاتورية السنين، الطعمُ المتفردُ المتميزُ الذي يلعب بكافة مستشعراتِ الذوق في
اللسان، النكهةُ الحريفةُ في بعض أنواعه التي تستمتع بها رغم أنها ستتسبب في إدماعِ
عينيك الشرهتين وأسبابٌ أخرى أدت لتأصلِ حبِّ المصريين لِلمُخَلَّل ولكني بدأت أرى
في الآونة الأخيرة أن ما يستهوي المصريين أكثر من أكل المخلل هو صنع المخلَّل
نفسه! فهم كما يصنعون مُخَلَّلَ الخيارِ والفلفلِ والجزرِ وغيرها يتميزون بشكل
فريدٍ في صنعِ الديكتاتورِ المخلل! نعم الديكتاتور المخلل! وَصفَتُهُ ليست بتلك
الصعوبة يمكنني إيجازها لك في سطور:
يتطلب
الأمر صبرا شديدا، ألقابًا قويةً ستطلقها على من تريد تخليلَه... ألقابٌ قويةٌ
مثل: (الزعيمُ القائد، الرئيسُ المؤمن، يوسفُ هذا العصر، المناضلُ الثوري، الراجل
اللي مفيش أحسن منه) وفورَ خروجِ قراراتهِ الجهبذيةِ ستبدأ بالتصفيق فورا ولا مانع
من التصفيق قبل خروجها فإن هذا الزعيم لن يخرج إلا بقرارٍ رائعٍ وعظيمٍ مثله. عليك
أن تُشيدَ بكل ما يفعله! عليك أن تصفق إن ضحك وإن بكى وإن ربط جزمته وإن مسح
نظارته وإن تفقد ساعته وإن تمخط في منديل وإن تمخط في كم القميص وحتى إن استأذن
للدخول للحمام عليك أن تصفق وتشيدَ بتواضعه إذْ قام هذا العظيم بنفسه وَذَهَبَ إلى
الحمام! تذكر
أن المخلل يجب أن يحفظ في درجة حرارة معينة بعيدا عن أي عواملِ ضغطٍ أو حرارةٍ
مرتفعةٍ أو أي عبثٍ بالسائلِ الذي سيحفظُ فيه ويجب أن يُحفظ لفترة زمنية طويلة!
انتبه من هؤلاء الذين يريدون جعلها 4 سنوات فقط فإنهم سيفسدون طبختك. انتظر
خروج تلك البكتيريا الضارة التي ستتجرأ وتقوم بالاعتراض على إحدى الدرر الخارجة من
فم هذا العظيم الجهبذ الذي يجب عليهم أن ينحنوا احتراما له، وفور أن يخرجوا لك
ابدأ بتخوينهم وقتالهم وسبهم ولعنهم وتكفيرهم وإخراجهم من كافة الملل والعقائد
السماوية والأرضية ولا تنسَ أن تعدهم بجهنم يصلونها وبئس المصير، إذ إنهم قد
عارضوا شخصا يصلي في المسجد ويحفظ القرآن وعلى جبهته ما نسميه "زبيبة"
من أثر السجود!
مخلل
الديكتاتور يتميز عن غيره بأن طعمه فيه مرارة غريبة، أعد قراءة الوصفة وحاول
اكتشاف السبب وراء كونه مرا لهذه الدرجة وحدد كمصري إن كنت تريد صنعه مرة أخرى أم
لا!